معركة محافظة حلب بنسختها الأحدث-إذا جاز التعبير، كانت بدأت إعتبارًا من تشرين الأوّل من العام 2015(1)، حيث تمكّن ​الجيش السوري​ والقوى "الحليفة" مطلع العام 2016 الحالي من إستعادة مناطق واسعة في المحافظة المذكورة وفي الشمال السوري عمومًا، مُستفيدًا من الدعم الجوّي الروسي المُركّز. وعملت وحدات من الجيش السوري مدعومة بمقاتلين من "حزب الله" ومن مجموعات غير نظاميّة أخرى، خلال الأشهر القليلة الماضية، على تطويق ​مدينة حلب​ من مختلف الجهات، بهدف تكرار تجربة إستعادة مدينة حمص من قبل النظام السوري، عبر سياسة "القضم المُتدرّج". لكن ما حدث في ريف حلب الجنوبي في الأيّام والأسابيع القليلة الماضية أفشل هذا المُخطّط – أقلّه حتى تاريخه، حيث إنتقل "جيش الفتح" ومعه فصائل مُعارضة أخرى من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، مُحقّقًا تقدّمًا ميدانيًا واضحًا(2). فكيف سيردّ كل من الجيش السوري و"حزب الله" وباقي "الحلفاء"، بحسب التوقّعات؟

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ النظام السوري والقوى "الحليفة" تُعطي أهمّية كبيرة لمعركة مُحافظة حلب، ليس لأهمّية مدينة حلب بالتحديد، بل كونها تُمثّل رئة الدعم التركي للعديد من الفصائل السوريّة المُعارضة. ومن هذا المُنطلق يعمل النظام السوري والقوى "الحليفة" على إقامة حزام مزدوج حول المدينة، بدءًا بقطع طريق "الكاستيلو" شمالي مدينة حلب، والذي يُعتبر المنفذ البرّي الوحيد لمناطق سيطرة المعارضة في حلب، كما يعمل على التقدّم باتجاه الحدود السوريّة – التركيّة، لوصل خطوط سيطرته في كل من محافظتي اللاذقيّة وإدلب مع خطوط سيطرة فصائل كرديّة مختلفة(3) في كل من الحسكة والرقّة، بهدف عزل محافظة حلب عن الحدود التركيّة، وإطباق الخناق عليها، تمهيدًا لإسقاطها. في المُقابل، تعمل "المُعارضات" السورية المختلفة في محافظة حلب، على الحفاظ على خطوط الإمداد اللوجستي مع تركيا بأيّ ثمن، خاصة وأنّ عداوتها لا تنحصر مع النظام السوري وحلفائه، وإنّما تشمل مُسلّحي تنظيم "داعش" الإرهابي"، والجماعات المُسلّحة الكرديّة، ولكل من هؤلاء مناطق سيطرة مُحدّدة على الحدود السوريّة-التركيّة(4).

بالنسبة إلى الردّ المُرتقب، وبحسب مجموعة من المعلومات المُتقاطعة، فإنّ الجيش السوري و"حزب الله" والقوى "الحليفة" الأخرى، لا يمكنهم التغاضي عن الخسائر التي مُنيُوا بها أخيرًا. وهم يعملون حاليًا على حشد مجموعات عسكريّة كبيرة في ريف حلف الجنوبي، لشنّ هجوم مُضاد واسع النطاق على المناطق التي دخلتها المعارضة السوريّة، يهدف إلى التالي:

أوًلاً: إستعادة كامل المنطقة التي سقطت أخيرًا، مع ما تُمثّله من إعادة رفع لمعنويّات المُقاتلين.

ثانيًا: نزع ورقة المُبادرة من أيدي فصائل المُعارضة السوريّة، وإعادتها إلى وضعيّة الدفاع في محافظة حلب بدلاً من وضعيّة الهجوم الحاليّة.

ثالثًا: تحضير الأرضيّة المناسبة مُجدّدًا لإستكمال الخطة القديمة القاضية بمحاصرة مدينة حلب من مختلف الجوانب، وبقطع خُطوط الإمداد من تركيا، بمجرّد أن تعود موسكو إلى تأمين الغطاء الجوّي لذلك.

رابعًا: تأكيد العزم على منع تبديل الوقائع الميدانية الإستراتيجيّة، عشيّة تصاعد الضُغوط لمعاودة محادثات جنيف السياسيّة في المُستقبل، ولوّ أن لا تاريخ لذلك بعد.

في الختام، لا شكّ أنّ الصراع في سوريا لا يزال على أشدّه في ظلّ تضارب كبير في مصالح القوى التي تدعم النظام السوري وتلك التي تدعم مُعارضيه، وكذلك في ظلّ تباين كبير في أولويّات ومصالح هذه القوى حتى ضمن الصفّ الواحد، ومنها مثلاً السعودية وتركيا إزاء المعارضة، وروسيا وإيران إزاء النظام السوري. لكن وعلى الرغم من هذه التناقضات والتباينات، فإنّ معركة محافظة حلب تحتلّ أهمّية إستراتيجيّة لمختلف القوى المُتواجهة، كونها تُشكّل: مفتاحًا لمجموعة مناطق تمتدّ على طول السلسلة الحدوديّة بين سوريا وتركيا، ورمزًا لقوى المُعارضة السوريّة، وورقة قويّة في يد النظام التركي، وهدفًا دائمًا للنظام السوري الساعي إلى قلب موازين القوى عسكريًا وبشكل كامل. والأيام المُقبلة كفيلة بالإجابة عن وجهة المعركة الجديدة وعن نتائجها العسكريّة والسياسيّة على كل من النظام ومُعارضيه، تبعًا لما سيتحقّق ميدانيًا في المعارك المُرتقبة قريبًا.

(1) "المُعارضة السوريّة" كانت دخلت إلى مدينة حلب للمرّة الأولى في تموز من العام 2012، أي بعد عام ونصف على تفجّر حرب سوريا، وهي نجحت في فترة زمنيّة قصيرة من السيطرة على مساحة جغرافية واسعة في الشمال السوري، قبل أن يُزاحمها عليها تنظيم "داعش" إعتبارًا من مطلع العام 2013.

(2) بدأ هجوم "جيش الفتح" والقوى الحليفة على محور "تلّة العيس" ومنها تواصل التقدّم إلى كل من خان طومان والخالدية، وبعد إسقاط "خلصة"، صارت "تلة الحدادة وبرمة" بحكم الساقطتين عسكريًا، لتتركّز المعارك في المرحلة الحالية عند أطراف بلدة "الحاضر".

(3) كل من "حزب الإتحاد الديمقراطي" و"قوّات حماية الشعب" و"قوات سوريا الديمقراطيّة".

(4) يُسيطر تنظيم "داعش" الإرهابي على الأجزاء الشرقيّة لمحافظة حلب وُصولاً إلى مدينة مارع والحدود التركيّة، بينما تُسيطر الجماعات الكرديّة المُسلّحة على الجزء الغربي للمحافظة إنطلاقًا من عفرين وُصولاً إلى مطار منغ العسكري وتل رفعت. كما تُسيطر وحدات الجيش السوري وقوّات "حزب الله" وقوى أخرى داعمة للنظام السوري على أجزاء من الريف الشمالي إنطلاقًا من السجن المركزي والمدينة اصناعية وُصولاً إلى نبل والزهراء.