بعد ما يشبه القطيعة التي بدأت منذ افتراقهما رئاسياً، حصل أخيراً اللقاء بين رئيس حزب ​القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​ ورئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​، لقاءٌ لم يُعرَف ما إذا كان الهدف منه غسل القلوب ليس إلا أو التأسيس لمرحلةٍ جديد يعود فيها الحليفان المفترضان إلى سابق عهدهما من التعاون والتنسيق.

ووصفت مصادر سياسية هذا اللقاء بالإيجابي، مشيرة الى انها خطوة ضرورية يجب ان تعمم على كل القوى المتخاصمة حيث ان الأزمات والمخاطر التي تهدد لبنان تستوجب مثل هذه اللقاءات، علها تجد حلولا تخرج لبنان من ازماته، بعد ان تيقّن الجميع ان الدول العربية والإقليمية، لديها أولويات تحول دون تركيز اهتماماتها على بلادنا.

وقالت المصادر ان المعلومات المتوفّرة لديها عن هذا اللقاء ان الحريري وجعجع أكدا حرصهما العمل معا لدعم كل ما يوفر الاستقرار الأمني، ورفض اي شكل من أشكال الامن الذاتي، والاعتماد كليا على القوى المسلحة اللبنانية لمكافحة الارهاب والدفاع عن الحدود، وحفظ الامن في الداخل، ورفض اي مظهر من مظاهر التسلح الذاتي.

ولفتت المصادر الى ان هذه الامور هي من المسلمات التي لم تكن موضع تباين او خلاف بين قوى 14 اذار عندما كانت هذه الكتلة السياسية في عزّ تضامنها ونشاطها.

وتوقفت المصادر نفسها عند نقاط الخلاف بين الرجلين، وفي مقدمها ملف ​الانتخابات الرئاسية​، وتمسك جعجع بترشيح رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، واقتناع سعد الحريري بخياره تبني رئيس تيّار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ لهذا المنصب.

وقالت المصادر ان جعجع استعرض مع الحريري قناعاته التي هي في "اطار وطني وخصوصية مسيحيّة"، لتبني ترشيح عون، مؤكدا له التزام رئيس تكتل التغيير والإصلاح بالبنود العشرة التي تلازم إعلانها مع دعم القوات ترشيح عون، وهي تصب بمجملها في خانة توجهات قوى 14 اذار السيادية.

وفي مقدمة هذه الامور موافقة عون على الطائف حيث ورد في البند الاول "تاكيد على المبادئ التأسيسية التي وردت في مقدمة الدستور"، وعدم "اللجوء الى السلاح والعنف أيًّا كانت الهواجس والاحتقانات"، ضبط "الاوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية بالاتجاهين" .

لكن المصادر رأت ان خطوة رئيس حزب القوات اللبنانية ربما تكون مقدمة يقوم على اساسها كل من منهما بشرح وجهة النظر هذه الى حليفهما في المملكة العربية السعودية، لان الجميع يعلم جيدا ان خيار اللبنانيين وحدهم في انتخاب رئيس للبنان ليس كافيا لإنجاز المهمة، وانه لا بد من موافقة الرياض وعدد من العواصم العربية والأجنبية الاخرى.

وتوقعت المصادر ان يكون من نتائج هذا اللقاء ارضيّة مشتركة حول قانون جديد للانتخابات كما ورد في البنود العشرة التي تم التوافق حولها بين القوات والتيار الوطني الحر، لكن هذا يتطلب مبادرة من جعجع لإقناع مرشحه للرئاسة بصيغة توفق بين طرح عون وطروحات المستقبل والقوات والاشتراكي.

غير ان مصادر نيابية في الثامن من اذار رأت ان هذا اللقاء يعكس حاجة سعد الحريري في هذه الظروف بالذات الى امتداد مسيحي، لذلك يريد ابقاء الخطوط مفتوحة، وان رئيس حزب القوات يرغب في المحافظة على تنوعه خوفا من اي انتكاسة في العلاقة مع العماد ميشال عون، مع ظهور تباين كبير في بعض المناطق خلال الانتخابات البلدية، ومع رفض العميد المتقاعد شامل روكز للتقارب القواتي-العوني.

واكدت المصادر انه في ما يتعلق بالأوضاع الأمنية وخصوصًا في انخراط حزب الله في الحرب السورية، فإنّ هذا الملف خارج عن إرادة معظم القوى السياسية اللبنانية، لانه امر إقليمي، لن يتم البتّ فيه الا خارج بيروت، مع تسليم الجميع بمن فيهم حزب الله بالدور الذي يقوم به الجيش اللبناني لمنع او اقلّه للحدّ من تمدّد القوى التكفيرية الى الداخل اللبناني.

في الخلاصة، فإنّ اللقاء بين جعجع والحريري قد لا يترجم من الناحية العملية بشكل سريع، خصوصاً في الملف الرئاسي، طالما أنّ كلاً من الرجلين يبقى متمسّكاً بالخيار الذي اتخذه ومتشبثاً به، إلا أنّ الرهان يبقى أن يكون بداية جديدة، قد تصبح معها كلّ الاحتمالات واردة...