تعلو بين الحين والآخر اصوات تدعو الى تسليم حزب الله سلاحه ليصبح حزباً سياسياً فقط... الفكرة منطقية ويجب على كل دولة في العالم ان تعتمد على قواها المسلحة فقط للدفاع عن ارضها، ولكن بغض النظر عن الاسباب التي ادت الى نشوء حزب الله وتطوره الى الوضع الذي اصبح عليه حالياً، وكي لا ندخل في جدال بيزنطي حول وجوب او عدم وجوب تسليم السلاح، سنسلم جدلاً ان الحزب قرّر بالفعل التخلي عن سلاحه (وهو أمر مستحيل عملياً)، فمن الذي سيستلمه؟

الجواب الاول والبديهي على هذا السؤال هو: ​الجيش اللبناني​ والقوى الامنية اللبنانية. واذا كان الامر متعلقاً فقط بالناحية العسكرية، لكانت المسألة غاية في البساطة ولكان حزب الله امام مشكلة حقيقية لانه يدعو دائماً الى تسليح الجيش وتجهيزه، فكيف يمتنع عن تسليمه السلاح؟

لكن المسألة اكثر تعقيداً لأن السياسة تدخل في كل باب ونافذة منها. لو كانت الامور لا تزال في ظل الوصاية التي اعطيت لسوريا على لبنان من النواحي كافة، لكان الامر مشابها ًلتسليم الميليشيات بعد الطائف سلاحها الى الجيش وانخراط قسم من عناصرها في المؤسسة العسكرية. الا ان الوصاية العسكرية اختفت، وعلى مجلس الوزراء ان يتخذ القرار في حال وضعت على طاولته اسلحة الحزب. هو المجلس نفسه الذي لا يستطيع ان يقرّر في قضايا الجيش والقوى الأمنية لناحية التعيينات والصلاحيات، وهو المجلس نفسه الذي يمتنع عن تسلم اسلحة للجيش من قبل ايران او غيرها من الدول دون القيام بجولة من اللقاءات والمشاورات المكوكية على مختلف عواصم القرار لتقرير ما اذا كان هذا السلاح مقبولاً او غير مقبول.

وهو المجلس نفسه الذي سيجد انه امام "كابوس" حقيقي لان اسلحة الحزب تكسر كل القواعد المفروضة على الدولة اللبنانية لتسليح الجيش، وهي أسلحة تخلخل ميزان القوى الذي تطالب اسرائيل بأن يبقى لمصلحتها بشكل دائم دون قيد او شرط. كما ان غياب حزب الله العسكري عن الساحة، سيضع لبنان في مواجهة مباشرة مع اسرائيل في ظل ميزان قوى غير متكافئ نظراً لافتقاد الجيش نوعية السلاح والتكنولوجيا القادرة على تكبيدها الخسائر، وستكون الحكومة في اي مواجهة معها، أمام "بعبع" سياسي لا يمكنها التصدّي له، فيما كان اختبار العام 2006 ناجحاً (من الناحية السياسيّة) في فصل قرارات الحكومة عن قرارات حزب الله وكانت المفاوضات تسير على خطّين متوازيين للتوصّل الى حلّ.

وقد يجد هذا المجلس عندها انه مضطرّ إزاء هذه المواقف، الى إتلاف هذا السلاح او "توزيعه"، وكي يضمن سلامة حدوده، عليه التفكير جدياً في توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل ضمن باقة دول عربية او منفرداً، لأنّ أيّ معادلة أخرى لن تكون موجودة على الطاولة.

هذا في البعد النظري، اما في البعد الواقعي، فالأمور مختلفة بشكل كبير. فحزب الله لم يعد قوّة محليّة صغيرة بل تحوّل بفعل دخوله في الحرب السوريّة، لاعباً اقليمياً لا يمكن تجاهله، وبالتالي لا يفكّر ولو للحظة بتسليم سلاحه، كما أنه لا يمكن "اغراؤه" بمناصب سياسيّة لأنّه اصلاً لاعب سياسي اساسي على الساحة اللبنانية، ولديه تمثيله الذي يعترف به الجميع.

لو كانت سوريا او أي بلد آخر يتولّى الوصاية على لبنان، لربما كانت الامور اكثر سهولة لناحية تسليم الحزب سلاحه، لأنه عندها تكون المسألة في عهدة الدولة الوصيّة والتي يعود اليها التفاوض عن لبنان في هذا الشأن، ولكن الوصاية مفقودة، اقلّه من الناحية العسكرية، وقد استعيض عنها بغطاء أمنيّ دوليّ نجح في إبقاء لبنان في خانة الامان، ناهيك عن قدرة وكفاءة الجيش والقوى الأمنيّة التي تعمل دون ملل في سبيل محاربة الإرهاب والإرهابيين.

كلنا نحلم ببلد مثالي، يعلو فيه القضاء والعدالة والقانون على الجميع، ويكون السلاح مع الجيش والقوى الأمنيّة فقط، ويكون الشعب مصدر السلطات بكل ما للكلمة من معنى، ولكن الحلم شيء والواقع شيء آخر للأسف، والى أن يتحقّق الحلم، لن تكون الأصوات التي تطالب حزب الله بتسليم سلاحه سوى صدى لأصوات سابقة منذ سنوات...