وضعت السعودية حلفاءها في لبنان أمام وضع مستحيل. تريدهم أن يواجهوا حزب الله وليس بيدهم حيلة. تقرّب من يرفع صوته ضد الحزب وأمينه العام السيّد حسن نصرالله وايران وسوريا، وتتنافر مع من يهادن ويحاور ويفاوض. وفي هذه المعركة المستحيلة ليست الرياض مستعدة لفتح خزائنها خلافا لما كانت تفعل في عهد رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري.

يُشكل رئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​ النموذج الصارخ لهذا الموقف المستحيل. يطمح رئيس الوزراء السابق لأن يصبح رئيس الوزراء المُقبل. لكنه يفتقر الى العاملين اللذين جاءا بوالده الى هذا المنصب: المال والاتفاق مع الطرف الآخر، أي محور المقاومة الممتد من حزب الله الى سوريا فايران. يبدو الحريري الإبن واقفا على أطلال ثروة اندثرت بأسرع مما توقّع كثيرون، معظم موظفي شركاته ووسائله الإعلامية ناقمون عليه أكثر من نقمة الخصوم. هل يُعقل ان تتركه السعودية على قارعة الطريق يبحث عن حل مستحيل؟ أطبيعيٌ أن يكون ولي ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان أول كاشفيه ومنتقديه من خلال حديثه عن شركة سعودي اوجيه وديونها؟ ألم يقل الأمير الذي يتولى حاليًّا واجهة السياسة والاقتصاد والأمن في بلاده لتلفزيون بلومبيرغ: "بالنسبة لنا فنحن نلتزم بالعقد بيننا وبين الشركة، أما إذا كان البنك يسحب الأقساط التي نودعها في حسابها، وتعجز بالتالي عن سداد مستحقات المقاولين والعمال، فهذه مشكلتهم، ويمكنهم اللجوء للقضاء"؟

قد يكون سعد الحريري أثار حفيظة بعض السعوديين من خلال ما تسرّب عنه في المحكمة الدولية ضد الأمير محمد بن نايف. وقد تكون ادارته المالية لما ورثه هي السبب. لكن الأكيد ان السبب الأول والأخير هو عجزه عن مواجهة حزب الله وايران وفق ما تريد الرياض. وما تريده السعوديّة منه هو انتحار سياسي بكل ما للكلمة من معنى، ذلك ان موازين القوى مع اقوى حزب في لبنان سياسيا وعسكريا وإقليميا مرصود للخسارة الحتمية. هو يحاول ان يرفع الصوت بين وقت وآخر. لا يوفر كلمة الا ويكيلها ضد الحزب وقائده، لكنه في الوقت نفسه يذهب للتحاور معه حول طاولة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ويتفاوض معه تحت الطاولات في سياق الوصول الى رئاسة الحكومة. وهو يرى أنّ وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ لم يقدم على طرح حل المشاكل الأمنية دون ان يدعو جهارا أحد أبرز العقول الأمنية والسياسية في الحزب الحاج وفيق صفا الى جلسة علنية مع القيادات الأمنية.

النموذج الثاني هو وزير العدل المستقيل اللواء ​أشرف ريفي​. الرجل الذي يرغب ضمنياً بوصول العميد ​شامل روكز​ إلى سدّة الرئاسة وفق ما تسرّب عن بعض اجتماعاته مع الزعامة الروحية للمسيحيين، عرف من أين تؤكل الكتف. رفع سقف خطابه الى أقصاه ضد الحزب وسيّده وايران وسوريا ورئيسها بشار الأسد. تعلّم من أخطاء حلفائه السابقين الذين تحولوا الى منافسين دائمين. ربح معركة الانتخابات البلدية. فُتحت له أبواب كثيرة من الخليج الى تركيا. لكن هل يشكل ريفي قاعدة دائمة أم يضع نفسه على شفير المأزق؟

النموذج الثالث هو رئيس اللقاء الديمقراطي النائب ​وليد جنبلاط​. لا يوجد زعيم لبناني غير سنّي ربح من علاقته مع السعودية أكثر من سيّد المختارة. جاءه دعم مطلق عبر مبعوثيه وكان في مقدمهم الوزير السابق ​غازي العريضي​ قبل ان ينهال الغضب على الأخير حين تخطّى ربما حدود المهمة الى طموح الزعامة. يُقال أن الأمير السعودي بندر بن سلطان كان الداعم الأبرز حين أُريد لجنبلاط أن يؤجج دروز سوريا ولبنان ضد الرئيس السوري بشار الأسد. لكن أن يصل الأمر بجنبلاط الى حدّ القول بأن الأسد هو من سيختار الرئيس المقبل للبنان، وانه يتصرف كمنتصر وانه سيهدي الرئيس المقبل الى من يتولى رئاسة البيت الأبيض، فهنا التحوّل، هو أيضا تعبير عن عجز سعودي في حماية ودعم الحلفاء.

النموذج الرابع هو رئيس القوات اللبنانية ​سمير جعجع​. الرجل ذهب حتى الرياض مع زوجته التي لم تلبس الحجاب خلافا للتقاليد السعوديّة. جرى استقبالهما كرؤساء الدول. جنى كثيرا من تلك العلاقة. لكنه في نهاية المطاف جلس الى جانب خصمه اللدود الذي قاتله بالسلاح والسياسة العماد ميشال عون، ليبارك ترشيحه للرئاسة ويعقد تحالفا معه. لم يفعل ذلك إلاّ حين خذلت السعودية سعد الحريري لما نحا صوب رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجية وحين سعى للتفاهم قبل ذلك مع عون نفسه في باريس.

يتقدّم حزب الله في سوريا. يجاهر بأنه بات قوة إقليمية. يقول أمينه العام للسعودية تعالوا نتفاهم وإلاّ فإنّ مشروعكم سيُهزم. بينما قوى 14 آذار تفكّكت، وحلفاء السعودية يبحثون عن دور. مصيبتهم أن أي دور مقبل لن يكون الا بالتفاهم مع حزب الله.

يقول وزير سيادي قريب من السعودية، ان التحوّلات الكبيرة في المنطقة والانعطافة الكبيرة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان والتفاهم مع الروس، يفرض تفاهمات في لبنان تأتي بالجنرال عون رئيسا للجمهورية وسعد الحريري رئيسا للوزراء قبل ان يفوت الأوان... لكن ما يقوله يتناقض مع نظرة السعودية الى لبنان، حيث باتت تعتبره ساحة لحزب الله ويجب معاقبته، تارة بمنع السلاح عن الجيش اللبناني وتارة أخرى بترحيل اللبنانيين من الخليج، ومرة أخرى بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب... لكن ماذا ستفعل السعودية حين تستنتج عاجلا ام آجلا ان الدول الغربية تسعى للتفاهم مع " الحزب الإرهابي" كما تسميه لانتخاب رئيس؟

والسؤال الأهم، هل بعد ان همّشت السعودية حلفاءها في لبنان، ستُهمش دورها وتنهيه؟ يبدو ان الخطر وصل الى درجة أن جنبلاط نفسه بات يشعر بتهديد على شخصه ويقال انه قد يبتعد عن لبنان، فحلفاء السعودية صاروا يشعرون بان لا غطاء لهم، بينما الطرف الآخر يحمي "حلفاءه "برمش العيون" كما يقول نصرالله.

في جميع الأحوال، يدرك حلفاء السعودية ضمنياً أن أي أمل بالوصول إلى رئاسة الحكومة يمرّ بحزب الله. ولعلّ لدى الحزب الآن ترف الإختيار بين الطامحين الكثيرين من الحريري إلى ريفي إلى المشنوق إلى رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ ومن ثمّ الوزير السابق عبد الرحيم مراد... واللائحة تطول.