على الرغم من الخلافات التي لا تزال تطغى على العلاقة بين مختلف الفصائل السورية العاملة في المناطق الشمالية، إلا أن الضغوط الخارجية على ما يبدو ستقود إلى تنفيذ ما هو مخطط له منذ أشهر عدّة، لا سيما على مستوى العلاقة مع النسخة الجديدة من جبهة "النصرة" الإرهابية، أي "جبهة ​فتح الشام​"، لناحية الإعلان عن "الإندماج" بين أغلب الفصائل، خصوصاً حركة "أحرار الشام"، من دون أن تتضح حتى الساعة الأهداف الكامنة وراء هذه الخطوة، في ظل التحولات الكبرى القائمة على أكثر من صعيد.

منذ بدء الحديث عن عملية "فك الإرتباط"، بين "النصرة" وتنظيم "القاعدة"، كانت المعطيات توحي بأن الهدف منها الوصول إلى مرحلة "الإندماج" أو "الإتحاد" مع باقي الفصائل المقاتلة على أرض الواقع، لا سيما أن الأخيرة كانت تتحجج بالأمر خوفاً من إنقطاع الدعم الخارجي لها، بالرغم من إشتراكها مع الجبهة في العديد من غرف العمليات العسكرية، لا سيما في إدلب وحلب، لكن المعلومات عن قرب الوصول إلى إتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا حول إستهداف مراكز ومواقع "النصرة" ساهم في تسريع الإعلان عن الخطوة الأولى، لكن ماذا عن الخطوة الثانية؟

قبل الذهاب نحو الخطوة الأولى، كان زعيم "القاعدة" ​أيمن الظواهري​، في تسجيل صوتي نُشر في شهر أيار الماضي، قد دعا زعيم "النصرة" أبو محمد الجولاني، إلى تشكيل إمارة إسلامية في الشمال السوري، عبر الإشارة إلى أن الجبهة ستكون في حلّ من ارتباطها التنظيمي بـ"القاعدة" "إذا اختار المسلمون في بلاد الشام حكومة مسلمة وإماما لهم"، وهذا الأمر كان حاضراً في الرسالة الصوتية التي وجّهها النائب العام للتنظيم أحمد حسن أبو الخير، في شهر تموز الماضي، والتي وصفت بأنها "الضوء الأخضر للاعلان عن فك الارتباط"، عبر التوجه إلى "الفصائل المجاهدة على أرض الشام" بالقول: "كونوا صفاً واحداً يحمي أهلنا ويدافع عن أرضنا، وأقرّوا أعيننا باجتماعكم على حكومة إسلامية راشدة ترد الحقوق وتبسط العدل بين المسلمين"، كما أن الجولاني، في أول ظهور علني له، كان قد أعلن أن القرار جاء "تقريباً للمسافات بيننا وبين الفصائل المجاهدة"، وحدد الأهداف المستقبلية بـ"العمل على التوحد مع الفصائل لرصّ صف المجاهدين".

على هذا الصعيد، بدأ الحديث، في الأيام الأخيرة، بشكل مكثّف عن قرب إعلان كبرى الفصائل المعارضة في الشمال السوري عن "إندماجها" في وقت قريب، وهذا "الإندماج" لا يمكن أن يكون على المستوى العسكري فقط، نظراً إلى أنه قائم من خلال غرف عمليات ما يسمى بـ"جيش الفتح"، والأمر تم تأكيده على لسان الناطق العسكري باسم حركة "أحرار الشام" أبو يوسف المهاجر، الذي تحدّث عن "جلسات تحضيرية، تجري هذه الأيام، لمشاريع اندماج كبرى على مستوى الساحة السورية"، والمعلومات المتناقلة تتحدث عن شمول هذه الخطوة الفصائل التالية: "جبهة فتح الشام"، "أحرار الشام"، "أجناد الشام"، "نور الدين الزنكي"، "لواء الحق"، مع العلم أن القاضي العام لغرفة عمليات "جيش الفتح" عبد الله المحيسني، كان قد أعلن قبل أيام أنه لن يستمر بالعمل مستقلاً، مؤكداً أنه سينضم إلى الفصيل "الذي يجمع الكلمة".

هذه المعطيات التي تأتي بعد المعارك العنيفة التي شهدتها مدينة حلب، تؤكد بأن موعد الخطوة الثانية التي كان تنظيم "القاعدة" يريدها، أي الذهاب نحو تشكيل حكومة أو إمارة إسلامية في الشمال السوري، بات قريباً، بدعم وضغط من قبل بعض الجهات الإقليمية الفاعلة، لكن الأهداف قد تكون متداخلة بعض الشيء، خصوصاً بعد تحويل الأنظار التركية نحو خطر نشوء كيان كردي على حدودها، في ظل الإنفتاح في العلاقة على كل من روسيا وإيران، في حين اعلان الفصائل، التي هي في طور "الإندماج"، عن إستعدادها نحو فتح معركة جديدة في ريف حلب الجنوبي.

ما تقدم لا يعني أن كل الخطوات تحصل بهدوء تام، فبين الحين والآخر تظهر الخلافات بين مؤيدي "النصرة" و"أحرار الشام"، خصوصاً مع الجناح العسكري للحركة الذي يتزعمه لبيب نحاس، بالإضافة إلى إنشقاقات تحصل ضمن قيادات الجبهة، كان آخرها مسؤولها العسكري في درعا الأردني أياد الطوباسي، بعد أن سبقه إلى هذه الخطوة أبو خديجة الأردني، الذي عمد إلى نشر رسالة قال إنها صادرة عن أبو همام الشامي تؤكد رفضه العمل في "فتح الشام".

في المحصلة، الأيام المقبلة قد تكون حافلة بالتحولات على صعيد المجموعات المعارضة العاملة في الشمال السوري، خصوصاً لناحية إمكانيات "إندماجها"، مع العلم أن العديد من القوى الدولية كانت قد أعلنت أن تغيير إسم "النصرة" لا يعني أنها لم تعد إرهابية، فهل تخاطر الفصائل الأخرى بمثل هذه الخطوة أو تعود إلى نهج التريث؟