يلعب رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون آخر الأوراق التي لديه، أوراق الجوكر التي أخفاها في جيبه طوال الفترة الماضية. يبدو متحمِّسا ومتريّثا في آن. يُقاطع جلسات مجلس الوزراء ويطمئن لعدم نيّته إسقاط الحكومة. يُهدّد بالانسحاب من هيئة الحوار الوطني لكنّه يرفض قطع الشعرة الأخيرة التي تربط الرابية بعين التينة. قد تبدو حركة عون هذه ذكية لكنّها في الوقت نفسه لا شكّ تُظهر نوعا من التخبّط الذي يعيشه التيار البرتقالي نتيجة اصرار حلفائه مرة جديدة على تركه وحيدا في ساحة المعركة، ولا سيما حزب الله، بعدما تأكد الجنرال الثمانيني للمرة الألف ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري ألدّ أعدائه، وهو قد يكون أقرب الى خصمِهِ المعلن رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ منه الى رئيس حركة "أمل" الذي لا نقاط مشتركة تجمعهما سوى حزب الله.

لم يطُف كوب عون في هذا الوقت بالذات من عبث. فالكوب الذي راكم فيه الكثير الكثير من الملفّات والضغوطات كانَ ليتّسع للمزيد منها، لولا تيقنه بأن قطار التسوية السوريّة وُضع على السكّة وأنّه قد يكون بطريقه لدهسه. فالتقارب الايراني–التركي–الروسي–الاسرائيلي لا يعتقد عون أنّه يصبّ في مصلحته، تماما كما التطورات التي يشهدها الشمال السوري والتي توحي بأنّ الحلّ الذي نضج عبارة عن جملة من التسويات ستطرق أبواب لبنان ولن يكون له (أي لعون) دور اساس فيها، بإشارة الى انّها قد لا تنصّبه رئيسا بل تعطيه جوائز ترضية ما عادت ترضيه. ولذلك، فإنّ تحرك الرابية المستجدّ أتى من دون تنسيق عملي مع حزب الله، وتقول مصادر عون في هذا الاطار: "أبلغناهم بنيّتنا التحرّك لكننا لم نخض معهم في التفاصيل كي لا نُحرجهم ولا يحرجونا اقتناعا منّا أنّهم لا يرحّبون بزعزعة الكيان الحكومي ويجارون بري في كل سياساته الداخلية".

ويبدو واضحا ان تلويح العماد عون بالانسحاب من هيئة الحوار الوطني، رسالة واضحة وصريحة لبري، عرّاب هذا الحوار، عشيّة احياء ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، تأتي للرد على اصرار رئيس المجلس النيابي على انعقاد مجلس الوزراء الأسبوع الماضي بالرغم من مقاطعة وزراء التيّار وحثّ قياديي حزب الله رئيس الحكومة ​تمام سلام​ على تنفيس التوتّر باللجوء الى التأجيل.

وبغضّ النظر عما اذا كانت مساعي وزير التربية ​الياس بو صعب​ لإعادة وصل ما انقطع مؤخرا بين الرابية وعين التينة ستنجح أم لا، الا ان مصادر سياسيّة معنيّة تؤكد ان الثقة مفقودة تماما بين الرجلين، ما يهدّد بمواجهة حتميّة بينهما حتى ولو لم يتّضح مكانها وزمانها وظروفها بعد.

وبحسب المصادر نفسها، تشير المعطيات الى أنّ الاحتمال الأكبر هو لانتخاب رئيس للبلاد نهاية شهر تشرين الثاني-مطلع شهر كانون الأول أيّ في المرحلة التي تفصل بين إتمام الانتخابات الأميركية وتسلم القيادة الجديدة مهامها. وتلفت المصادر إلى أنّ "المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون لن تقبل بانطلاق مسيرتها الرئاسية بهدوء، وهي ستحاول فرض مقولة أنّها "أخت الرجال"، لذلك قد يكون من الأجدى التقاط الإشارات الايجابية بأسرع وقت ممكن قبل وضع القيادة الأميركية الجديدة رسميا يدها على ملفّات المنطقة والا دخلنا في نفق جديد، ليس مكفولا الخروج منه".

وترجّح المصادر ان يكون الرئيس اللبناني المقبل "شبيها بالمرحلة التي بدأت ملامحها ترتسم بالأفق، متمرسا بأعمال الاطفاء وبالخطاب الوطني الجامع بعيدا عن الخطاب الطائفي-المسيحي الذي جعل الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تعدّ للمئة قبل استيعابه". اما لمن يرفض وصول ميشال سليمان ثانٍ الى سدّة الرئاسة، فتتوجه المصادر قائلة ان "الترويج لفكرة أنّ وجود أي رئيس مقبل خارج دائرة الاقطاب الأربعة هو ميشال سليمان جديد، تبسيط غير مسبوق للأمور وامعان بتجاهل طاقات وطنية ودبلوماسية قادرة على انتشال البلاد بحكمة من المستنقع المذهبي البغيض الذي تتخبط فبه".

وبانتظار اقتراب قطار التسوية منّا والمرجّح وصوله بعد شهرين، قد يكون من المستحسن الابتعاد عن طريقه. فتماما كما بدأ يطيح ببعض الرؤوس الكبيرة على الساحة السورية وأبرزها الرأس الكردي، فهو لن يتردّد بالإطاحة بكل من يتصدّى له لبنانيا، ليكون المنتصر بذلك من يركب القطار أولا فارضا شروطه وقواعد لعبته.