مرّت إعترافات "​عماد ياسين​" الإرهابي الداعشي الذي تمّ إلقاء القبض عليه في مخيم "عين الحلوة"، مرور الكرام في بيروت.

تصدّر الخبر نشرات الأخبار الإعلامية، نُشرت صوره في الصفحات الأولى من الصحف المحلية، وانتشرت مخططاته بسرعة البرق على مواقع التواصل الإجتماعي وانتهى.

يكفي أن تتوجه ليلاً إلى أحد مراكز السينما في وسط بيروت حيث في محيطها الأسواق التجارية تعج بالناس وتدخل من الطريق العام إلى باحة شاسعة يحيط بها مجموعة من المطاعم ومركز لصالات السينما والألعاب لتتيقن أنك في عاصمة على كوكب آخر.

لا إجراءات أمنية من القيّمين على المحال والمراكز، لا أجهزة الكترونية ولو يدوية تقوم بتفتيش الرواد، لا أجهزة "سكانر" تفحص المارّة، ما من مستخدم يقوم بتفتيش الحقائب عند دخولك المجمّع...

هذا ما حصل مع أكثر من شخص منذ أيّام.

تعتقد لدقائق أنك تدخل مدينة فاضلة لا يقطنها أو يزورها سوى حَمَلة شهادات السلام.

نعم، إنه نموذج عن موقع عام بيروتي فيه من الاستهتار الأمني ما يلفت الضمير لقرع جرس إنذار.

هنا، أرواح البشر أصبحت عرضة للقدر في بلد ربما إعتاد مواطنوه أكثر من مسؤوليه على الإهمال وعدم المسؤولية في قضايا الشأن العام.

أما أن يصبح الإهمال باباً سهلاً لإختراق أمن المواطن والوطن فهذا أمرٌ يرفضه العقل.

إنّ هذا الفلتان في الإحتياطات الأمنية من المؤسسات الخاصة ولئن كان لا نصوص قانونية إلزامية في التشريع اللبناني توجب عليه إتخاذها؛ فالواقع الخطر المحدق بلبنان والتحذيرات الأمنية التي وُجهت إلى سياسيين لبنانيين تفرض الحيطة والحذر كحدّ أدنى من واجب المواطنية.

من يزورُ باريس أو لندن أو موسكو وغيرها من العواصم الغربية ويشاهد التشدُّد في الإحتياطات الأمنية من المؤسسات الخاصة والعامة، يُدرك أن للحياة قيمة في عيون اليقظين. الحقيقة هناك أنه من الصعب الدخول إلى أي مركز تربوي أو تجاري أو فني دون الخضوع لإجراءات تفتيش دقيقة.

وحدها بيروت في أمان بعيون بعض تجارها، رغم أنّها من العواصم الأكثر تعرّضاً للخطر.

فأن يُسجّل لأمير "داعش" حوار حول تحويل بيروت إلى "كرّادة ثانية" (تيمّنا بإحدى مجازر العراق) فأل شرّ، وإن تمّ إلقاء القبض على "ياسين" ففي ثقافة الإرهاب يسقط الأمير ولا تسقط الإمارة، والمبايعة أسرع من الدهم.

هنا سؤال محوري: ماذا يحصل في ​المخيمات الفلسطينية​؟

لماذا كل هذا الغليان داخلها؟ ولماذا يقوم بعض المطلوبين للعدالة بتسليم أنفسهم للجيش؟

ثمّة معلومات قد تمّ تسريبها بأنّ الخلايا الداعشية في المخيمات الفلسطينية تنتشرُ والمخاطر منها تتصاعد ومن سلّم نفسه للجيش فضّل التوقيف والسجن نتيجة ارتكابات سابقة على اتهامه بالانتماء الى "داعش".

إذاً، ما يحصل في محيط بيروت يستدعي الحذر.

وأيضاً، تفجيرات القاع، تفجير الحمرا قرب بنك لبنان والمهجر، تهديدات أبو بكر البغدادي، الإرهابيون الذين يُقتلون مع التنظيمات الإرهابيّة من حاملي الجنسيّة اللبنانية، تحذيرات أطلقتها السلطات اللبنانية بشأن هجمات محتملة لداعش، الإعتقالات التي تنفذها القوى الأمنية، العمليات النوعية الإستباقية في عرسال والشمال والبقاع التي يقوم بها الجيش اللبناني، والتي أسفرت عن إلقاء القبض على مئات الإرهابيين، البؤر الأمنية في بعض مخيمات اللاجئين... كل هذا، أليس كافيا بحدّ ذاته لحثّ أصحاب المصالح الإقتصادية على اتخاذ الحيطة الأمنية اللازمة، لاسيّما في بيروت؟

الأخطر مما تقدم، ثبت من إعترافات لإرهابين تمّ إعتقالهم أن شارعاً يكتظ بروّاد السهر في بيروت كان هدفاً لعميلة إنتحارية إرهابية.

يكفي أن تمرّ ليلاً في هذا الشارع لترى بأمّ العين أن الساهرين ما زالوا روّاداً للحانات والمطاعم والملاهي وأن الشارع خالٍ من المظاهر الأمنية.

صحيح أن الحفاظ على الأمن من واجب السلطة، لكن في ظل ظروف متوترة تبحث عن ضرب الاستقرار اللبناني وتحثّ على الفتنة الطائفية والمذهبية لتحقيق المآرب التي فشل فيها جزئياً المشروع التكفيري في المنطقة يصبح من واجب اللبناني مساندة القوى الأمنية.

تحول لبنان في السنوات الماضية الى مسرح ثأري أو موئل قسري لبعض المجموعات الإرهابية. من واجب اي مواطن إذا، سواء كان مستثمراً أو مستهلكاً أن يساهم في اليقظة وحفظ الأمن سلميًا ويساعد الاجهزة المتخصصة في مهامها الإحترازية ضمن نطاق مؤسسته المفتوحة أبوابها للجمهور.

رغم الجهود التي يقوم بها المعنيون والمولجون بحماية الأمن الوطني مشكورين، نجد في العديد من زوايا بيروت فلتاناً أمنياً ذاتياً.

ندقّ ناقوس الخطر ولا بدّ من حملة توعية.

تستحق بيروت خصوصا ولبنان عامة أن نترك لبعض الوقت السياسة الإقليمية والعواصم الغربية وأن يُكثّف الإهتمام بالسياسة المحلية والبحث جدّياً في حلول للقضايا الداخلية. لا أولويّة على حياة الناس. إنّ لبنان بشكله الحالي يبدو كبرميل بارود قد ينفجر في وجه الجميع ما لم ننتبه الى تفاصيل الأمن. ففي التفاصيل يكمن شيطان الإرهاب.