طيلة الفترة الماضية، كان "التيار الوطني الحر" يحرص على تصوير "مشكلته" مع "تيار المستقبل" حصراً، عبر الإيحاء بأنّ العائق الوحيد أمام وصول رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا يتمثل بـ"الفيتو" الذي يفرضه "التيار"، ومن خلفه السعودية، على "الجنرال".

لكن، ومع بدء الحديث عن أنّ رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ بات قاب قوسين أو أدنى من الموافقة على عون، بدأت "عُقَدٌ" أخرى بالظهور، لعلّ أبرزها تلك التي كان "العونيّون" يغضّون البصر عنها عمداً والمتمثلة بمواقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رغم إدراك القاصي والداني أنّ أيّ "طبخة" تُطهى بمعزلٍ عنه لا يمكن أن تبصر النور.

فهل يذهب "الأستاذ" بعيداً في "تمايزه" حتى لو تطلّب الأمر أن يبقى "وحيداً" في المواجهة؟ وما هي تداعيات ذلك، خصوصًا على العلاقات بين الحلفاء؟ وعلامَ يخشى بالتحديد في حال وصول عون إلى الرئاسة؟

بري مطمئن...

قبل أسبوع، رمى رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالكرة "الرئاسية" في ملعب "تيار المستقبل". قال أنّ العماد ميشال عون يُنتخب رئيسًا فور موافقة "الشيخ سعد" على انتخابه، سواء أعطاه بري صوته، أم لم يفعل.

يقول العارفون أنّ بري، حين أطلق هذا الموقف، كان مطمئناً إلى أنّ الحريري لن يقدم على خطوةٍ قد تكون "انتحاريّة" بكلّ ما للكلمة من معنى، خصوصًا أنّ مثل هذا الخيار لا يلقى أيّ تأييد داخل البيئة "المستقبليّة" الحاضنة للحريري، كما أنّه كان يستند إلى معطياتٍ لديه بأنّ أيّ تغييرٍ على هذا الصعيد لم يطرأ على موقف المملكة العربية السعودية المعارضة لوصول عون، والتي قد يكون من الاستحالة بمكان للحريري أن يغرّد خارج سربها، ولو كانت علاقاته معها في أسوأ أحوالها.

وإلى جانب "اطمئنان" بري لموقف الحريري، يشير العارفون إلى أنّ "الأستاذ" مرتاحٌ كذلك الأمر لعلاقته "المتينة" مع رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​، الذي، وإن وجّه رسائل "ودّ" في مرحلة من المراحل باتجاه العماد عون، إلا أنّه يحرص على الحفاظ على "التحالف غير المُعلَن" الذي يجمع بينه وبين كلٍ من بري والحريري، وبالتالي من الصعب أن يسير بأيّ خيار لا يوافقان عليه.

الأولويّة للسلّة...

عمومًا، يحرص رئيس المجلس النيابي، كما يؤكد كلّ الدائرين في فلكه، على نفي أيّ طابعٍ "شخصي" للمعركة مع "الجنرال". صحيح أنّ "الكيمياء" بين الرجلين مفقودة، وهذا ما لا ينكره أحد، وصحيح أنّ لدى بري مرشّحين "مفّضلين" لرئاسة الجمهورية، ليس عون من ضمنهم، ولكنّ "أولويته" تبقى في مكانٍ آخر، وتحديداً في سلة الحلّ الشاملة، التي لا تمرّ مناسبة إلا ويأتي على ذكرها.

ولعلّ إصرار بري على هذه "السلّة" بغضّ النظر عن هوية الرئيس المقبل للجمهورية، معطوفًا على تذكيره في الليل والنهار على ضرورة التمسّك باتفاق الطائف، يخفي بين طيّاته "المخاوف" و"الهواجس" الحقيقية التي لدى "الأستاذ" من خيار عون على وجه التحديد، بخلاف مرشّحيه الآخرين، الذين قد يشكّلون "ضمانة" في مكانٍ ما، كرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الذي لم يُرصَد له أيّ تصريحٍ في أيّ يومٍ يدعو فيه جهاراً لتعديل الطائف.

وإذا كان بري كما غيره بات مدركاً أن واقعا معيّنا لا بد أن يتغير في يوم من الأيام، وهو ما أقرّ به النائب وليد جنبلاط في حديثه الصحافي الأخير، فإنّ خشيته تبقى من أن تقود "حماسة" البعض "المفرطة" لهذا التغيير نحو خياراتٍ لا تُحمَد عقباها، خصوصًا أنّ مسار بعض الطروحات قد تؤدي إلى أخذ المسيحيين نحو المثالثة بدل المناصفة، وهو ما نبّه "البيك" منه أيضاً وأيضاً.

لا تداعيات...

في مطلق الأحوال، لا يبدو أنّ بري بوارد تعديل موقفه "المناهض" لعون، ولو بقي وحده في الساحة. هو ربما ينطلق من أسبابٍ "مبدئية"، تشبه تلك التي تسيّر معظم سياسات "التيار الوطني الحر" التي يمتعض منها بري، إضافة لإدراكه صعوبة "الانسجام" بينه وبين "الجنرال" اليوم، فكيف بالحريّ إذا وصل إلى قصر بعبدا.

قد لا يبدو هذا الموقف "مريحًا" بالنسبة لـ"الحلفاء"، ولا سيما "حزب الله"، الذي، ورغم تبنّيه مقولة أنّه يأبى الضغط على حلفائه، سيشعر بـ"الإحراج"، خصوصًا بعد كيل الاتهامات التي وجّهها لـ"تيار المستقبل" في الوقوف في وجه إرادة المسيحيين واللبنانيين، عبر منع وصول الرجل الأكثر تمثيلاً لشارعه إلى سُدّة الرئاسة.

لكنّ هذا "الإحراج" لن يؤدي إلى أيّ "تداعيات"، يقول العارفون، خصوصًا أنّ المعطيات تشير إلى أنّ بري لن يعرقل وصول عون إلى الرئاسة، إذا ما اتفق عليه معظم الأفرقاء، وإن لم ينتخبه، وأنّ "الشرط" الوحيد الذي قد يضعه هو الاتفاق على "السلة"، وهو ما لا يمانعه حلفاؤه، وعلى رأسهم "حزب الله"، علمًا أنّ المعلومات ترجّح أن يترك بري لأعضاء كتلته في هذه الحالة الحرية لانتخاب من يرونه مناسباً، كأفضل "تخريجة".

حقيقة أم شائعات؟

قد يكون السؤال المطروح عمّا إذا كان بري سيبقى "وحيداً" في مواجهة عون افتراضياً، وسابقاً لأوانه، لأنّ كلّ التسريبات التي تُطرَح هنا وهناك لم تخترق حتى الساعة مرحلة "جسّ النبض".

وقد يكون صحيحاً أنّ بري ليس من محبّذي وصول عون، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ "تلييناً" لموقفه بدأ يُرصَد في الساعات الماضية، من خلال إعلانه أنّ مرشحه هو "التفاهم الوطني" أولاً وأخيراً.

فهل يمهّد مثل هذا الكلام لتبدّل جذري في المواقف يشرّع أبواب بعبدا أمام العماد عون، أم أنّ كلّ ما يُحكى يبقى في إطار الشائعات لملء لوقت الضائع بانتظار كلمة السرّ الخارجية، التي لا يبدو أنّها نضجت حتى الساعة؟