"إن أردت زيارتي لأجل إبلاغي بموقفك الرئاسي فلا داعي للزيارة، وإن اردت البحث ببنود السلّة والتفاهمات فأهلا وسهلا بك". هكذا كان ردّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري على طلب رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ بزيارة عين التينة، وكانت النتيجة أن أرسل بري معاونه السياسي وزير المالية ​علي حسن خليل​ الى بيت الوسط لإيصال رسالة واضحة: "سنحضر جلسة انتخاب الرئيس ونصوت ضدّ (رئيس تكّتل "التغيير والاصلاح" العماد) ميشال عون ونكون في المعارضة ولن نشارك بأي حكومة ولن نسهّل تشكيل أيّ حكومة".

إن هذا الموقف المتقدّم من بري لم يأت من فراغ، فكثر بحسب مصادر مطّلعة توقعوا تعطيل بري لجلسة انتخاب الرئيس، ولكن من حضر كل جلسات الانتخاب السابقة، لن يعطّل بل سيحضر ويعبّر عن خياراته عبر الإقتراع، حسب المصادر التي تتابع أنه "لم يعد يرضَ بزيارة فلان أو فلان الى عين التينة لـ"تبادل الآراء"، وهذه الرسالة وصلت واضحة للحريري وعون أيضا، فالحديث يجب أن يكون حصرا ببنود السلّة وإلا فلا داعي للقاءات الشكليّة، وليتّخذ كل فريق موقفه النهائي، ونحن اتّخذنا قرارنا بأن نكون في المعارضة".

منذ الطائف حتى اليوم شكّل بري "رافعة" العهود المتتالية، وكان بحسب المصادر "المرجع" لحلّ كل أزمة، و"مهندس" تشكيل الحكومات وتذليل العقبات، وكان أشدّ الحريصين على الوحدة الوطنية، وهو الذي أنشأ الحوار لتلاقي القيادات بعد قطيعة طويلة، وهو الذي منع اقتحام السراي الحكومي إبان اعتصام رياض الصلح الشهير، وهو الذي استوعب سعد الحريري كونه يمثل الإعتدال في مجتمعه، وهو الذي تنازل عن حصة وزارية لأجل حكومة نجيب ميقاتي. وتضيف المصادر: "يهاجمون بري اليوم عبر اتهامه بالتهديد بالحرب أو باستعمال سلاح حركة "أمل" في الداخل اللبناني، ويهاجمونه متذرعين بمسيرة عاشورائية "تحصل كل عام" وبقصص خياليّة تخترعها بعض الصحف، فيبنون عليها بيانات واتهامات"، مشيرة الى ان الحركة لم تكن يوما إلا مع الوحدة الوطنيّة والسلم والجميع يعلم ذلك، "وهي ستبقى حريصة عليهما وحماية اتفاق الطائف ومشاركة الجميع في القرار اللبناني، ووجود المقاومة وسلاحها ولبنان بلد نهائي لجميع أبنائه والعداء المطلق لاسرائيل".

بالعودة الى المعطيات السياسيّة الراهنة، تسأل المصادر عن سبب تأجيل إعلان الحريري لتبنيه عون من يوم الى آخر، معتبرة أن إرباك الأخير لن ينتهي لحظة "الإعلان"، والضغط عليه لن يقلّ بل سيزداد، خصوصا عندما يجد مستقبلا أن الاتفاقات التي عقدها مع عون غير مضمونة. وفي هذا الإطار علمت "النشرة" أن إجتماعا على مستوى القيادة العليا بين حركة "أمل" و"حزب الله" يجري التحضير له بعد إعلان الحريري الرسمي تبني ترشيح عون لرئاسة الجمهورية، للبحث بالخيارات والتنسيق، مع الاشارة الى أن موقف حركة "أمل" برفض انتخاب عون لن يتغير.

يصور البعض أن نبيه برّي يقف وحيدا في مواجهة ميشال عون، فجعلوا الأمر وكأنه معركة بين شخصين وهي ليست كذلك، فبحسب المصادر لا تكمن معارضة بري على الإسم بل على النهج والأسلوب، فعون يقوم بأي شيء لأجل كرسي رئاسة الجمهورية، فهو تحالف مع رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​ ومن حق اللبنانيين أن يعرفوا كيف تم ذلك، ويتحالف مع الحريري اليوم ومن حق اللبنانيين أن يعرفوا كيف تم ذلك أيضا. وتردف: "اهتمام سعد الحريري مُنْصَبّ على رئاسة الحكومة، واهتمام عون منصب على شرفة قصر بعبدا، واهتمام "ولي العهد" سمير جعجع سيكون بقطف الثمار عاما تلو آخر، فأين مصلحة اللبنانيين هنا؟" وتلفت المصادر النظر الى ان رئيس حركة "أمل" ليس وحيدا، فعون قبل وصوله الى القصر "أسس" جبهة مسيحيّة عريضة ضده، بدأت طلائعها بالظهور يوم تحالف مع جعجع واعتبر أنهما سويّة يمثلان المسيحيين كلهم، "ولكن ماذا عن باقي المسيحيين الذين قالوا كلمتهم في الانتخابات البلدية؟ ماذا عن الكتائب والمردة والمستقلين وميشال المر؟" مشيرة الى أن معارضة العهد المقبل بحال وصل عون ستكون "المعارضة" الأقوى منذ تأسيس لبنان، وهذا ما أصبح "حزب الله" على اطّلاع عليه، فمن يتخيّل مسار الامور إن كان بري معارضًا للسلطة المشارك فيها "حزب الله"؟

لاقى قرار التوجّه نحو المعارضة ترحيبًا واسعًا في أوساط جمهور "أمل"، فهامش التحرك السياسي يصبح أوسع، ومن يُدرك تأثير نبيه بري في السياسة يعلم أن "معارضته" لن تكون شكليّة.