منذ إنهيار ترتيبات الهدنة الأخيرة في سوريا إعتبارًا من 19 أيلول الماضي، أعطى النظام السوري بالتنسيق مع روسيا ومختلف القوى الداعمة له، "الضوء الأخضر" لعمليّة إسترجاع مدينة حلب، وأطلق عمليّة عسكريّة شرسة تهدف إلى بسط اليد على الأجزاء الخاضعة للجماعات المُسلّحة المُعارضة في المدينة، في ظلّ محطّات إستراحة أو وقف محدود للنار. فكيف ستنتهي المعركة الجديدة الدائرة حاليًا في حلب، وكيف ستكون إرتداداتها؟

القرار بإسترجاع كامل أحياء مدينة حلب محسوم لدى النظام السوري وداعميه، لأنّ السيطرة على المدينة يدخل ضُمن خريطة "سوريا المفيدة" التي عمل ​الجيش السوري​ بمُساعدة من الطيران الروسي ومن القوى البرّية الحليفة من كل من لبنان والعراق وإيران، على رسم معالمها بالهجمات المتتالية والمدروسة من الناحية الإستراتيجيّة، بغضّ النظر عن كلفتها البشريّة المُرتفعة. فإذا كان صحيحًا أنّ المعارك في القصير والقلمون وحمص على سبيل المثال لا الحصر، كانت مُكلفة بشريًا للنظام السوري وللقوى الحليفة، فإنّ نتائجها كانت مُمتازة لهؤلاء من ناحية ضرورات المُواجهة الإستراتيجيّة، أكان ميدانيًا وجغرافيًا، أو سياسيًا ومعنويًا، أو حتى لجهة تعزيز أوراق التفاوض. من هنا، ونظرًا لأهمّية مدينة حلب من الناحية الجغرافية كونها كانت حتى الأمس القريب تُشكّل مقرًّا للقوى المُعارضة وجسر تواصل بالحدود التركية، ومن الناحية المعنوية أيضًا كونها كانت حتى الأمس القريب ترمز إلى "معقل الثورة" السورية. ولا يُمانع النظام السوري في إسترجاع كامل مدينة حلب بأيّ وسيلة كانت، إنّ بالهجمات المُتكرّرة على الرغم من الخسائر التي يتعرّض لها مع القوى الحليفة، أو عبر تنفيذ سياسة "الأرض المحروقة" على الرغم من الضرر الكبير اللاحق بالمدنيّين وبطبيعة الحال بالبُنى التحتيّة للمدينة، أو حتى عبر تأمين إتفاق دولي يقضي بانسحاب المُقاتلين المعارضين منها على غرار ما حصل في مدينة داريّا مثلاً بعد سنوات من الحصار والهجمات المُتكرّرة(1) على الرغم من أنّ هذا الأمر سيسمح لهؤلاء المسلّحين بالعودة إلى القتال في أماكن أخرى من سوريا. من هنا، تُجمع كل التوقّعات وأغلبيّة التحاليل العسكريّة أن ​معركة حلب​ لن تتوقف نهائيًا إلا بعد أن تعود إلى كنف النظام السوري بكامله، بغضّ النظر عن الوسيلة، خاصة أنّ قُدرة المُسلّحين المُعارضين تتراجع باضطراد منذ إحكام الحصار على الأحياء الشرقيّة في المدينة. وبالتالي، مهما بلغت الشراسة في مقاومة الهجمات، فإنّ أيّ مدينة مُحاصرة لا يُمكن أن تُقاتل إلى ما لا نهاية، خاصة في ظلّ دعم جويّ روسي كامل، وعجز تام للدول الإقليميّة والدَولية عن التدخّل.

وبالنسبة إلى الإرتدادات المُتوقّعة لما بعد خسارة المعارضة السورية للأجزاء التي تُسيطر عليها داخل مدينة حلب، فهي متعدّدة، وأبرزها:

أوّلاً: وصل مناطق عسكريّة إستراتيجيّة للجيش السوري وحلفائه بعضها ببعض، وإستكمال فرض خريطة "سوريا المفيدة" على أرض الواقع.

ثانيًا: إلحاق هزيمة مادية ومعنويّة بالمعارضة السوريّة، لجهة إنهاء أهمّ معاقلها وأهمّ مناطق تواصلها اللوجستي السابق بتركيا.

ثالثًا: فرض واقع ميداني جديد في سوريا من شأنه تقوية موقع النظام السوري في أيّ جولة تفاوض مُقبلة، في مُقابل إضعاف موقع المعارضة التفاوضي.

رابعًا: توقّع قيام الجماعات المُعارضة السورية بمحاولات للردّ على الضربة الميدانية والمعنوية في حلب، لجهة تنفيذ هجمات واسعة مختلفة ستطال أكثر من منطقة، سعيًا للحفاظ على نوع من التوازن العسكري والمعنوي مع الجيش السوري والقوى الحليفة.

في الختام، لا بُد من التأكيد أنّه عند إستعادة الجيش السوري كامل مدينة حلب، لن تتوقّف المعارك في سوريا. والسبب أنّ النظام الذي سيُباشر مدعومًا من روسيا وباقي الحلفاء، محاولات سلميّة جديدة لفرض تسوية لصالحه بالكامل، سيبدأ بموازاة ذلك أيضًا بالانقضاض على مناطق أخرى لا تزال بيد معارضيه. في المُقابل، إنّ قدرة الجماعات المُسلّحة المعارضة على خوض حروب الإستنزاف ستتواصل، لأنّ أعداد المُقاتلين كبيرة وسيطرتهم واسعة على الكثير من الأرياف، الأمر الذي يسمح بذلك من الناحية العمليّة، لا سيّما في ظلّ عدم إنقطاع الدعم الخارجي عنهم. وبحسب التوقعات فإنّ الأزمة السورية ستُنهي عامها السادس في آذار 2017 المُقبل، من دون أفق واضح للحل حتى اليوم.

(1) بعد حصار طويل إستمرّ منذ العام 2012، وبعد سلسلة من الهجمات الشرسة، إنسحب مُقاتلو "المعارضة" من داريا إلى مدينة إدلب، عبر ممرّ آمن أمّنته لهم وساطة دَوليّة، الأمر الذي ساهم في طيّ صفحة التهديد الأمني للعاصمة السوريّة.