غريب كيف يتفاجأ البعض من خبر إتجاه رئيس ​اللقاء الديمقراطي​ النائب ​وليد جنبلاط​ نحو الاقتراع وكتلته لمصلحة رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون في جلسة الإثنين المقبل المخصصة لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية. فمن يتابع الزعيم الدرزي، يعرف تماماً أن خياره الرئاسي لن يرسو إلا على عون وذلك لأكثر من سبب، من بينها ما يرويه مصدر رفيع المستوى في الحزب الإشتراكي عن لقاء جمع جنبلاط برئيس تيار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​، لقاء قال فيه "وليد بيك" وبصراحة تامة، "أنا محكوم بمعادلة مسيحيّة-درزية في الجبل، يتحكم في جزء كبير من إيقاعها ميشال عون و(رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة") ​سمير جعجع​، وبالتالي أريد أن أتجنّب شرهما، حتى ولو إقتضى الأمر السير بخيار تفاهم معراب الرئاسي، برغم عدم حماستي له".

هذه المقاربة الجنبلاطية التي سبقت إعلان الحريري تبنيه ترشيح عون الى كرسي الرئاسة الأولى، "سمعها أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري وبلسان جنبلاط أيضاً"، يقول المصدر الإشتراكي نفسه.

هذا في اللعبة الإنتخابية الدرزية-المسيحية في الجبل، أما في الأمن، وهو الهاجس الأكثر أهميّة بالنسبة الى جنبلاط، فتصويته للعماد عون الذي تبنّى ترشيحه منذ زمن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، يعزز الإتفاق الذي أبرمه رئيس "اللقاء الديمقراطي" مع "حزب الله" منذ سنوات، إتفاق يقضي بعدم توتير الأمن في الجبل، وتحديداً في المناطق التي تتواجد فيها سرايا المقاومة وحلفاء الحزب كالوزير السابق ​وئام وهاب​. وفي السياق الأمني أيضاً، يهم جنبلاط أن يكون في الإستحقاق الرئاسي على الموجة ذاتها مع الحريري الذي تبنى ترشيح عون، كل ذلك منعاً لوقوع إشكالات أمنيّة في منطقة إقليم الخروب التي يتواجد فيها تيار "المستقبل" بقوة، والتي تؤيد جنبلاط نسبة لا بأس بها من ناخبيها.

وفضلاً عن المعايير الإنتخابية والحسابات الأمنية، يرى المتابعون لحركة الزعيم الدرزي أن اقتراعه للعماد عون، يجعله متجانساً أكثر فأكثر مع خياراته اللاحقة لجلسة الإنتخاب، إذ من المستحيل أن يكون جنبلاط خارج الحكومة المقبلة وأن يسلّم الحقائب المخصصة لطائفة الموحدين الدروز الى خصومه في الساحة الدرزية، وبالتالي، كيف سيشارك في حكومة العهد الرئاسي العوني، والحكومي الحريري، إذا كان معارضاً لوصول عون الى القصر الجمهوري؟

وإذا كان الحريري يعاني جماهيرياً من تبنّيه ترشيح العماد عون على إعتبار أن قواعده إقترعت منذ سنوات على قاعدة الخصومة السياسيّة والخلاف الحاد بين الرابية وبيت الوسط، فلن تكون لجنبلاط أي مشكلة مع قواعده الشعبية إذا قرر الإقتراع لمصلحة عون، وذلك لأنه ومنذ الإنعطافة الشهيرة له بعد إنتخابات العام 2009 وإنفصاله السياسي عن فريق 14 آذار، إختار الوسطيّة ولم يشتبك مع عون بصورة مستمرة كما كان الوضع بين الحريري وعون.

إذاً، التصويت لمصلحة "الجنرال" يؤمن كل مصالح الزعيم الدرزي دفعةً واحدة: في الأمن، مع "حزب الله" وتيار "المستقبل"، وفي الإنتخابات ولعبة الأرقام، مع الثنائي المسيحي العوني- القواتي ومع تيار "المستقبل"، وفي الحكومة عبر حقائب وازنة لـ"اللقاء الديمقراطي". فهل هناك من يسأل بعد لمصلحة من سيصوت جنبلاط وكتلته في جلسة الإثنين المقبل؟