ينهمك العونيون بترتيبات الانتقال الى قصر بعبدا وانطلاقة العهد الجديد وتشهد الرابية حشوداً مهنئة قبل 31 تشرين الاول ويضع عون اللمسات الاخيرة على خطاب القسم، فيما القوى السياسية مشغولة بحسابات اخرى هي حسابات الانتقال الى المرحلة الاخرى والضفة المقابلة وتجربة التعايش مع الجنرال، فرئيس المجلس لا يزال يترنح تحت هول صدمة الرئيس سعد الحريري بتبني خيار العماد ميشال عون رئيساً وهو يتحدث في مجالسه الخاصة عن «غدر» سعد، ورئيس «اللقاء الديمقراطي» حاول تأخير موقفه قدر المستطاع قبل ان يبني على التطورات مقتضاها لان موقفه يؤسس لمرحلة مختلفة، فيما سليمان فرنجية مصر على اكمال ترشحه بالنزول الى الجلسة .

واذا كانت جلسة يوم الاثنين ستنتج حتماً رئيساً للجمهورية هو ميشال عون، فان ما بعد الانتخاب يبقى مجهولاً محاطاً بالتساؤلات والهواجس حول كيفية التعاون بين المكونات السياسية، خصوصاً ان تبدلاً وتحولاً كبيراً حصل على الساحة السياسية بفرط عقد 8 و14 آذار ومصالحة الحريري وعون وقيام الحريري باتخاذ موقف جريء وترشيح عون رغماً عن «انف» المعترضين.

بالمؤكد فان سعد الحريري لم يحلم منذ زمن طويل بان يسمع بمثل ذلك العرض الصريح والسخي من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للعودة الى السراي قبل نحو شهرين ولا هو توقع ما اعلنه السيد من عدم ممانعة ورغبة في عودة رئيس تيار المستقبل الى الحكومة، ولكن عرض السيد على اهميته يبقى عرضة للاختراق تقول مصادر مراقبة، خصوصاً ان الحريري «مزنوق» داخل فريقه ويتعرض للانتقاد من فريق اساسي في 8 آذار وثمة مخاوف من فريقه بان يكون الحريري ادى واجبه واوصل عون الى قصر بعبدا و«اكل الضرب وحده خصوصاً ان بري بات يتحدث في مجالسه الخاصة عن « غدر سعد الحريري به»، واذا كان ما يقوله الامين العام لحزب الله يعتبر كلاماً صادقاً ولا تراجع عنه وهو عندما يقدم وعوداً فانها تعني الالتزام الى ابعد الحدود. هذا ما فعله في موضوع الالتزام الاخلاقي بميشال عون في الطرح الرئاسي وعدم المناورة عندما طرح الحريري ترشيح سليمان فرنجية، فان ما يفعله حزب الله يكمن في الوجه المستتر ويتضمن عدم ممانعة او رفضاً من الجانب الايراني له، ولعل اهم من ذلك ان زعيم المقاومة في سطور العرض الذي قدمه يمكن تفسير ان حزب الله لن يكون معرقلاً لتشكيل الحكومة، فالحريري سيعود الى الحكومة اذا ما حصل على الدعم الاقليمي وبالتنسيق مع الداخل، الا ان لا شيء يضمن عدم حصول تعقيدات او ان لا تفتح جبهة 8 آذار في وجهه لعرقلة التأليف رغم كل تسهيلات حزب الله .

استطاع الحريري ان يتجاوز «لغم» ترشيح ميشال عون وتسهيل عبوره الى بعبدا وتوضيح الاسباب الموجبة لخياره، لكنّ تعقيدات والغاماً كثيرة تنتظر رئيس تيار المستقبل تضيف الاوساط، فاستعادة شعبيته وترميم صورته على الساحة السنية التي «شوهتها» مواقفه السياسية وانتقاله لترشيح مرشحين من 8 آذار احدهما سيصبح رئيساً بجهوده والآخر بات «صديقاً غالياً»، ذلك يتطلب عملاً وتصميماً على المواجهة، فالحريري يواجه شخصيات سنية نمت وكبر حجمها في غيابه عن المسرح السياسي واستفادت من الاحداث والظروف لاستقطاب الشارع السني وتأليبه ضد قرارات رئيس تيار المستقبل . فليس عادياً على جزء اساسي من الجمهور السني ان «يبلع» خيار عون رئيساً او ان هذا الجمهور لا يبدو متفهماً للخسارة السياسية التي جعلت الحريري يسير في هذا الخيار، كما ليس عادياً رؤية انصار الوزير المستقيل اشرف ريفي يقفون في الطريق الجديدة في مواجهة انصار الحريري، وليس عادياً ان يتحوَل بري وفرنجية نجمين على الساحة السنية، فالحريري، كما تقول المصادر، يعمل على وضع خطة عمل وخريطة طريق بعد وصوله الى السراي لترميم تلك الصورة والمشهدية .

على ان اخطر الالغام التي سيواجهها الحريري تتمثل بتشكيل الحكومة على حد قول المصادر، فالعقدة تكمن في التأليف وليس في التكليف، فرئيس المجلس تحوَل الى خصم قاس بعدما تبنى الحريري عون، وبالتالي فان تأليف الحكومة يستلزم كسب رضى الثنائية الشيعية ونبيه بري سيقوم برفع سقف مفاوضاته الحكومية وشروطه الوزارية التي ستصطدم بفيتوات عون الذي سيحرص في الحكومة على «رد الجميل» لمن سهلوا عبوره الى بعبدا وعلى رأسهم القوات اللبنانية على الساحة المسيحية ،وعليه فان مهمة الحريري في تأليف الحكومة لن تكون عملية سهلة وخالية من العقد وهنا مكن المخاوف والهواجس التي ستطوِق عون والعهد الجديد، فرئيس الجمهورية من دون حكومة ومجلس نواب وشركاء حقيقيين سيكون عاجزا ومشلولاً وفاقد القدرات على احداث التغيير، وسعد الحريري اذا لم يتمكن من تأليف الحكومة سيكون قضى على نفسه ومستقبله سياسياً وشعبياً .