كلمة "عتيد" تعني في اللغة العربيّة "الحاضر والمُهيّأ"، وحتى الساعة لا حكومة "عتيدة" كما يجري تداوله إعلاميًا عن طريق الخطأ، علمًا أنّ الهمّ يتركّز حاليًا على إتمام الإستحقاق الإنتخابي يوم الإثنين المُقبل، لطيّ صفحة الرئاسة ولفتح صفحة تشكيل الحكومة. فما هي المعلومات المُتوفّرة حتى تاريخه بشأن الحُكومة المُقبلة؟

بعد سُقوط محاولات إرجاء جلسة نهاية الشهر الإنتخابيّة إلى موعد لاحق، بحجّة التفاهم على شكل وطبيعة وحجم الحكومة المقبلة، وحتى على تركيبتها وعلى الأسماء فيها، نتيجة رفض العماد ميشال عون التام لهذا الأمر، وبفعل رفض البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي لأيّ "سلّة" بموازاة الإنتخابات الرئاسيّة، صار من الصعب الحديث عن تركيبة حُكومية جاهزة لا ينقصها سوى الإعلان، لأكثر من سبب. لكن يُمكن تعداد بعض الإحتمالات المُمكنة والمتداولة في الكواليس والتي تشمل التالي:

الإحتمال الأوّل: حكومة "نسخة طبق الأصل" عن الحكومة الحالية بالنسبة إلى التوزيع الطائفي والمذهبي والثقل السياسي، مع تعديلات محدودة، بحيث يحظى العماد عون في حال إنتخابه رئيسًا، بالوزارات الثلاث التي كانت من حصّة الرئيس السابق ميشال سليمان، ومن بينها وزارة الدفاع التي ستؤول عندها إلى العميد شامل روكز. ويَحظى "التيّار الوطني الحُرّ" أيضًا بوزارتين مُهمّتين كما كانت الحال عليها في حكومة ​تمام سلام​، وهو غير متمسّك بوزارتي الخارجية والتربية والتعليم العالي، ولا حتى بوزارة الطاقة والمياه التي كانت واقعة تحت نفوذه بشكل غير مباشر عبر حليفه حزب "الطاشناق"، شرط منحه وزارات أخرى لا تقلّ أهمّية، ومنها مثلاً وزارة العدل التي يُمكن أن تؤول إلى الوزير السابق سليم جريصاتي. بمعنى آخر، إمّا يبقى توزيع الوزارات الأساسيّة على القوى السياسيّة المختلفة كما كانت في حكومة سلام، أو يتمّ تبادل الوزارات السياديّة إضافة إلى وزارة الطاقة التي ستكون نجمة العهد المقبل بفعل توقّع المُباشرة باستخراج النفط خلاله، بين القوى المعنيّة. ومن بين التحوّلات المُرتقبة في هذه التركيبة في حال إعتمادها، تراجع حصّة حزب "الكتائب اللبنانيّة" من ثلاث وزارات إلى وزارة واحدة، بسبب عدم مُقاطعة حزب "القوات اللبنانيّة" للحكومة هذه المرّة، بل سعيها لتكون شريكًا فعالاً في الحُكم. وإضافة إلى ما يتردّد عن إحتمال أن تؤول وزارة الإعلام إلى مسؤول جهاز التواصل والإعلام في "القوات" ملحم رياشي، لن تقل حصّة حزب "القوات" عن ثلاث وزارات خدماتية في الحكومة المقبلة، أو يتم منحها حقيبة سياديّة إضافة إلى حقيبة الإعلام مثلاً أو حقيبة السياحة التي ستؤول عندها إلى النائب ستريدا جعجع. لكنّ العوائق الأساسيّة بوجه هذه التركيبة الوزارية تتمثّل في رفض "حزب الله" منح "القوات" أيّ حقيبة سياديّة، ورفض قوى "8 آذار" مُجتمعة الحصول على نفس الوزارات التي كانت بيدها في حكومة سلام، ومُطالبتها بحصّة أكبر، كمًّا وعددًا، خاصة وأنّها تعتبر أنّ تكليف رئيس "تيّار المُستقبل" ​سعد الحريري​ رئاسة الحكومة يجب أن يُقابل بتنازل من قبله عن جزء من الوزارات التي كانت خاضعة له مباشرة أو عبر شخصيّات تدور في فلكه تمامًا ومنها مثلاً الوزارات المحسوبة على "مُستقلّين"، بينما يُخطّط "المُستقبل" للإحتفاظ بنفس حجمه السياسي داخل الحكومة المقبلة، لكن مع تبديل في الأسماء، مع إرتفاع أسهم توزير مدير مكتب رئيس "تيّار المُستقبل" ​نادر الحريري​.

الإحتمال الثاني: حكومة تكنوقراط تكون مُهمّتها الأساسيّة تنظيم الإنتخابات النيابية في الربيع المقبل، وتحضير الأجواء العامة في البلاد لحكومة سياسيّة موسّعة تضمّ مُختلف القوى وذلك تبعًا لحجمها السياسي والشعبي الذي سيتظهّر في الدورة المُقبلة من الإنتخابات. لكنّ المُشكلة الأبرز التي تُواجهها هذه الحكومة الإنتقالية والمُوقّتة، والتي قد تضمّ شخصيّات مثل زياد بارود لوزارة الداخليّة، ودميانوس قطار لوزارة الماليّة، تتمثل في رفض رئيس "تيّار المُستقبل" عدم تكليفه في أوّل حكومة للعهد، خاصة وأنّ إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها غير مضمون، إضافة إلى أنّ "المُستقبل" يرفض ربط عودته إلى رئاسة الحكومة بحجمه النيابي الذي سيتظهّر في الإنتخابات النيابية المقبلة، خاصة في ظلّ حديث مُتزايد عن إحتمال تقلّص هذا الحجم وتوزّعه على شخصيّات أخرى غير النائب الحريري. وبالتالي، في حال أصرّ رئيس "تيّار المُستقبل" على ترؤس أوّل حكومة من عهد الرئيس المقبل، سيتمّ تطعيمها بشخصيّات سياسيّة للحفاظ على التوازن في السُلطة، ولعدم ترك الدولة بيد فريق غير مُتمرّس سياسيًا. وعندها ستظهر عوائق مختلفة، لجهة هويّة القوى السياسيّة التي ستتمثّل في حكومة تكنوقراط، ونسبة السياسيّين فيها، إلخ.

الإحتمال الثالث: حكومة وحدة وطنيّة مُوسّعة تتكوّن من ثلاثين وزيرًا وليس من 24 وزيرًا كما في حكومة سلام، وذلك بهدف مُحاولة تأمين أكبر مُشاركة لمختلف الجماعات السياسيّة. وفي هذه الحال، سيتم إختيار بعض الشخصيّات الحزبيّة المعروفة للإمساك بالوزارات الأساسيّة، إلى جانب شخصيّات مرموقة علميًا وحزبيًا ومُقرّبة من الزعامات السياسيّة الأساسيّة، بهدف أن تحظى الحكومة بتأييد شعبي مطلوب، وبهدف أن تكون قُدرتها على مُعالجة المشاكل المُتراكمة أكبر، ومناسبة أكثر لإنجاح العهد ككل. لكن ومن بين المشاكل الأساسيّة التي تُواجهها، شأنها شأن أيّ تركيبة وزارية أخرى، عدم القدرة على تحديد أيّ "ثلث معطّل" نتيجة تشرذم صفوف كل من قوى "8 و14 آذار" وظهور تحالفات جديدة مختلفة عن السابق.

وفي مُقابل هذه الإحتمالات، وغيرها أيضًا، تؤكّد مصادر سياسيّة مُتابعة أنّ كل ما يُحكى عن تركيبات وزارية يتمّ تحضيرها لا يعدو كونه إجتهادات إعلاميّة بعيدة عن الواقع، لأنّ صفحة التشكيلة الحكوميّة الفعليّة بكل أبعادها، لن تُفتح قبل إعلان رئيس مجلس النواب إسم الرئيس الثالث عشر للجمهورية اللبنانية منذ الإستقلال. وعندها لكل حادث حديث...