مهما تضاربت المعلومات حول تقدّم ​الجيش السوري​ على هذا المحور أو ذاك، أو سيطرة تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام "داعش" على هذه النقطة أو تلك، فإنّ الثابت الوحيد هو أنّ كلاً منهما اعتمد استراتيجية عسكرية وإعلامية جديدة ، فالتنظيم الإسلامي المتشدّد حصل على جرعتي دعم سياسية متمثلة بمواقف بعض الدول العربية والخليجية المصرّة على إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وعسكرية مالية من خلال السيطرة على عدد نوعي وكمي من سلاح الجيش العراقي في الموصل إضافة إلى كميات من الأموال النقدية التي تسمح له بتعزيز تواجده الإعلامي من جهة وتجنيد المزيد من المقاتلين من جهة ثانية، كما أنه يعمل على رسم حدوده انطلاقا من الأراضي السورية تمهيدًا لفتح جبهة لبنان وتحويلها إلى أرض جهاد بعد أن كانت ارض نصرة وحديقة خلفية للتنظيم التكفيري المذكور، بينما يعمل الجيش السوري على خط تعزيز نقاط تواجده وعدم خسارة مواقع جديدة أولا ومن ثم القضاء على الجيوب "الداعشية" الموزعة على مساحة الأرض السورية بدءًا من الغوطة القريبة من العاصمة مرورًا بجيوب في حمص وحماه وليس انتهاءً بالأرياف الحلبية والرقة والحسكة.

ويؤسّس هذا المشهد إلى الاعتقاد بأنّ لكلّ فريق أهدافًا بعيدة المدى. بيد أنّ التنظيم يريد تثبيث حدود دولة الخلافة وفرضها على الدول العربية والإسلامية وتحويلها إلى لاعب إقليمي أساسي، بينما النظام وفي بداية ولايته الجديدة يريد توجيه رسالة إلى العالم مفادها أنّ جيشه مستعدّ لمواجهة الإرهاب التكفيري في حال أقرّ العالم بدوره المستقبلي في ظل إشاراتٍ غير خافية على أحد أبرزها استعراض القوة الصاروخية السورية انطلاقا من قطاع غزة، حيث تعمد المقاومة الفلسطينية إلى استخدام الصواريخ السورية الصنع أو التطوير للقول بأنّ سوريا إذا كانت قادرة على تزويد سواها بهذه القوة النارية فكيف الحال إذا ما أرادت استخدامها لأهداف استراتيجية تتعلق بوجودها وجوهر وحدة أراضيها التي تبدو في خطر حقيقي.

لكن تبقى علامة الاستفهام المشروعة تتمحور حول الفريق أو الخصم القادر على تحقيق أهدافه على حساب الآخر، فالنظام يملك الكثير من الأوراق الرابحة التي يستطيع استخدامها في السياسة والأمن والعكس صحيح أيضًا في ظل معادلات جديدة وموازين قوى مستحدثة ومدعومة دوليًا وإقليميًا جعلت تنظيم "داعش" قادرًا على مقارعة الجيش السوري في حال لم يسارع الأخير إلى حسم المعارك الجانبية المشتعلة في الجيوب القريبة من العاصمة، ما يعني أنّ عامل الوقت وسرعة الحسم عوامل مطلوبة قبل المسارعة إلى إجراء عمليات خلط أوراق جديدة بعد أن توقفت الكثير من الاتصالات لتحقيق مصالحات على غرار مصالحة حمص. فـ"داعش" تمنّي النفس بتحقيق المزيد من الخروفات التي ترهق الجيش النظامي وتستنزفه وترغمه على توزيع قواته على أكثر من محور لتحقيق التوازن العسكري الذي يخرقه سلاح الجو السوري ويوظفه في مصلحة القيادة العسكرية التي تستفيد من خبراتها المكتسبة بعد أكثر من ثلاث سنوات من حرب الكر والفر وحرب العصابات والشوارع.

في هذا السياق، بدأت أوساط مطلعة تخشى فعليًا من نجاح المشروع الغربي لتقسيم سوريا وتحويلها إلى دويلات تسقط من حساب القوى المبادرة في ظلّ صعوبة كبيرة بإعادة سيطرة الجيش على كامل الأراضي الواقعة تحت سيطرة "داعش" بالسرعة المطلوبة ما يعني أنّ الحرب على سوريا لن تنتهي بالقريب العاجل أو بالمدى المنظور إلا إذا استقر الرأي على تقسيم سوريا إسوة بالعراق.