على ضوء الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، خرجت بعض الأصوات، على الساحة اللبنانية، لتدعو إلى تسليح المسيحيين لحماية أنفسهم مما يتعرضون له في أكثر من مكان، من دون التنبه إلى خطورة مثل هذه الأفعال على المسيحيين أنفسهم قبل غيرهم، خصوصاً أنها لا تأتي ضمن خطة مواجهة موحدة، لا سيما أنهم ليسوا وحدهم المستهدفين بل المجتمعات بكامل فئاتها ضمن مشروع من المفترض أن يكون قد أصبح واضح المعالم.

من يراقب تسلسل الأحداث منذ أيام الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 بالحد الأدنى، يلاحظ بأن هناك من يريد إفراغ الشرق من مسيحييه في سياق مشروع أكبر، وما حصل بعد ذلك في كل من مصر وسوريا والعراق مجدداً يؤكد هذا الأمر، خصوصاً إذا ما تم ربطه بالدعوات التي صدرت عن بعض الدول الغربية لاستقبالهم، بدل السعي إلى تأمين الحماية لهم، عبر وقف دعم الجماعات المتطرفة بشكل أساسي، لا سيما بعد أن بات واضحاً أن هذه الجماعات تحظى برعاية مباشرة من قبل هذه الدول، التي تعمل على تعزيز الصراعات المسلحة في الشرق بدل العمل على دعم الحلول السلمية.

من هذا المنطلق، تشير أوساط سياسية متابعة لهذا الملف، إلى أن الأحداث التي شهدتها ​مدينة الموصل​ العراقية مؤخراً، من جراء الممارسات الإرهابية التي نفذها تنظيم "داعش" بحق المسيحيين هناك، كانت المبرر الذي إستندت إليه هذه الأصوات لتخرج إلى الواجهة تحت عنوان حماية المسيحيين.

وتشير هذه الأوساط، عبر "النشرة"، إلى أنه من هنا لم يكن من المستغرب أن يظهر تنظيم "وهمي" جديد يطلق على نفسه إسم "لواء أحرار الصليبيين" أو أن تعمل بعض الشخصيات الدينية والسياسية على المزايدة في هذا الموضوع، بهدف الكسب الجماهيري أولاً وربما تنفيذ بعض الأحلام السابقة ثانياً.

هذا لا يعني، بحسب ما تؤكد الأوساط، أن المسيحيين غير مستهدفين، لا بل هي تشير إلى أنهم مستهدفون بشكل مباشر ضمن مشروع يطال كل فئات المجتمعات المختلفة أيضاً، بغرض إعادة رسم خريطة المنطقة من جديد على أنقاض إتفاقية "سايكس- بيكو"، التي على ما يبدو لم تعد ترضي أطماع من يقف وراء هذا المشروع الجديد، حيث بات جليًّا أن المطلوب تشكيل مجموعة من الدول الدينية التي تكون مبرراً أساسياً ليهودية الدولة الإسرائيلية، بعد القضاء على كل حركة قد تكون مناهضة لهذا المشروع.

في هذا السياق، من الممكن تفسير الإستهداف المباشر لكل جيوش المنطقة، من مصر إلى العراق فسوريا وصولاً إلى لبنان، عبر جرّها إلى مواجهات داخلية تسقط عنها "القدسيّة" التي كانت تتمتع بها على مر العقود، حيث كانت العلاقة التي تجمعها مع شعوبها تقود إلى إعتبارها المؤسسة "المخلصة" في جميع المراحل الصعبة، وهذا ما دفع إلى مراقبة مواقفها عند أي مفصل أساسي، حتى لو لم يأت التغيير المرجو على قدر طموحات الشعوب.

إذا الإستهداف المباشر للمسيحيين في المنطقة موجود، وهو يأتي على أيدي تنظيمات إسلامية متطرفة مرفوضة من المسلمين أولاً، ولا يمكن أن يقرأ إلا في سياق مخطط واسع يضرب الجميع، والإستهداف الذي يتعرض له المسلمون المعارضون لتوجه هذا المشروع واضح أيضاً في أكثر من مكان.

وأمام هذا الواقع، لا يمكن أن تكون المواجهة عبر خلق حالة مشابهة تبدأ من خلال الدعوات غير المباشرة إلى التسليح تحت عنوان الدفاع عن النفس، ولا تنتهي بظهور بعض الشخصيات المسيحية المتطرفة، التي قد تكون جزءاً من المشروع نفسه الذي تعمل ضمنه "داعش" لكن بصورة أخرى، بل من خلال الإندماج الفعلي في مشروع الدولة الجامعة الموحدة.

بمعنى آخر، ليس المطلوب أن ينجرّ المسيحيون مجدداً إلى فكرة تشكيل ميليشيات، نظراً إلى أن نتائج ذلك ستكون خطيرة جداً، ولا أن يكونوا على الحياد في المعارك التي تخاض في بلدانهم كما يروّج البعض، خصوصاً أن الخطط المقابلة لا تستثنيهم، بل الإندماج الفعلي بدعم المؤسسات الرسمية والرهان عليها بشكل جدي.

على هذا الصعيد، تعود الأوساط السياسية إلى التذكير بأن الترويج لـ"داعش" وأخواتها، بدأ تحت عنوان إضطهاد الطائفة السنيّة، وتعرضهم لخطر وجودي من مشاريع مذهبية مقابلة، ما أعطى المبرر لظهور موجة التطرف الحاليّة، وترى أن الدعوة إلى التسلح المسيحي إنطلاقاً من فكرة الإضطهاد ستقود إلى تشكيل تنظيمات لن تكون مختلفة كثيراً عن "داعش"، وقد يكون المسيحيون أنفسهم هدفاً أولياً لها.

ولا تنفي هذه الأوساط المسؤولية الأساسية التي تقع على عاتق القوى الإسلامية في هذا الإطار، لتطالبها بالخروج بمواقف واضحة ترفض كل ما يحصل بصوت عال، وتطمئن المسيحيين بأنهم لن يكونوا وحدهم بمواجهة ما يتعرضون له.