هل انتهى دور تنظيم "داعش" حتى هبّ العالم بأسره لوضع حدّ لتقدمه المضطرد ومحاصرته في بقع جغرافية بعيدة عن مناطق النفوذين الكردي والشيعي والاقليات العلوية وسائر المذاهب الاسلامية، أم أنّ المواقف الغربية والأميركية الأخيرة لا تعدو كونها عرض عضلات لرفع العتب وغسل اليدين من المجازر التي قد يرتكبها التنظيم الارهابي المتشدد بحق كل من يخالفه الرأي والعقيدة؟ وبالتالي هل سيستمرّ التكفيريون بمواجهة حلفائهم القدامى على غرار جبهة "النصرة" في سوريا و"جيش محمد" في حلب وريفها وسائر التنظيمات التي لم تعلن البيعة لهم ولزعيمهم غير المدرج بعد على لائحة الارهاب الدولي أبو بكر البغدادي؟

أسئلة مشروعة في ظلّ تناقضات لافتة تتراوح بين حدي التقدم "الداعشي" على جبهات ريف حلب الشمالية والشمالية الغربية وتصفيته لحلفائه القدامى، في مقابل انحسار ولو جزئي في العراق بعد دخول سلاح الجو الاميركي على خط دعم الجيش العراقي من جهة و"البشمركة" الكردية من جهة ثانية، عبر تنفيذ غارات موضعية على مراكز قيادة "داعش" وخطوط إمدادها العسكرية الحيوية، والسماح للتنظيم عينه بتصريف ما يستخرجه من منابع الغاز والنفط التي سيطر عليها في الرقة السورية وبعد العراق عبر الأراضي التركية ومن بعدها عبر السوق السوداء تحت أنظار المجتمع الدولي وأصحاب المواقف المعترضة على اداء التنظيم المعني، مع ما يعنيه ذلك من نقض القرار الأممي بحظر التعاطي التجاري مع "الدولة الاسلامية" والدفع باتجاه وقف الدعم عنها وتجفيف منابعها الناشئة أساساً من البترودولار، في مشهدٍ يؤسس إلى الاعتقاد بأنّ الأمور لم تنضج بعد لتحديد المسارات المستقبلية التي تنحو باتجاه حرب طويلة الامد قد تمتد لسنوات عديدة وطويلة بعد أن تمكن التنظيم "الداعشي" من تطوير قدراته الذاتية وتشكيل نواة دولة مترامية المساحة لا ينقصها سوى معبر بحري للاكتمال والاستمراية.

ويبدو أنّ التقارير الواردة إلى أصحاب القرار الاقليمي تجيب عن هذه الأسئلة، فتعرب عن اعتقادها بأنّ ثمة تقاطعات سعودية ايرانية أسّست إلى اتخاذ مواقف متشابهة من "داعش"، فإيران التي ردّت على واشنطن المتهمة الوحيدة بتحريك "داعش" ومساعدتها عبر القنوات الدبلوماسية والاستخبارية فضلاً عن بعض الحلفاء المحليين في غزة واليمن ودفعت الأزمة فيهما إلى عنق الزجاجة الدولية والاقليمية، من دون أن تتأثر بشكل مباشر من تحريك الجبهات المذكورة، فضلاً عن وضعها الأقل حراجة بالنسبة للاتصالات مع الغرب بشأن الملف النووي الذي تدنى إلى مستويات أقلّ أهمية بالنسبة لما يحصل على مستوى إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية في المنطقة والاقتصادية في العالم، بيد أنها تمكنت من إبعاد الخطر الوجودي عن حلفائها الاستراتيجيين، وإن كانت قد تنازلت تكتيكيًا عن بعض المكاسب التي كانت قد حققتها في أوقات سابقة، وتحديدًا منذ انسحاب الجيش الأميركي من العراق على غرار التخلي عن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كشخص من دون مقاربة المسار الأولي إلا من حيث الشكل من دون المضمون، فيما حققت واشنطن الكثير من أهدافها الاستراتيجية، وهي تندرج في سياق المشاريع الطويلة الامد مثل السيطرة الكاملة على منابع النفط ومعابرة أكان ذلك بشكل مباشر أم عبر الحلفاء الأساسيين، فضلاً عن إعادة عقارب ساعة الشرق الأوسط إلى الوراء من خلال إحلال الفوضى المنظمة في الدول المحيطة باسرائيل والتي تشكل خطرًا عليها ما يعني إعادة رسم توازنات لا تقلّ دقة وحساسية عن سابقاتها، بحيث يصحّ القول أنّ "داعش" نجحت إلى حدّ بعيد في إرساء معالم الحرب الاسلامية الاسلامية على مساحة العالمين العربي والاسلامي من دون إمكانية وضع حد لهذه الحرب التي قد تطول إلى عقود طويلة، والمقصود هنا ليس الحرب العسكرية فحسب انما الحروب الاقتصادية والاستخباراتية والأمنية التي يسهل تعميمها على المناطق المطلوب وضعها في غرف العناية، لا سيما أنّ الاتجاهات تنحو إلى سقوط التسوية، طالما أنّ الوضع الراهن عاد إلى دائرة الضبط الاقليمي والدولي بعد اعادة رسم خطوط حمراء جديدة قائمة على مبدأ التبادل الاستراتيجي للمصالح الحيوية.