أمسكت ليال بطاقة تحمل في ثناياها دعوة لحفلة، لكنها كانت حفلة غير تقليدية، فصديقتها ريم أرسلت لها بطاقة دعوة لحفل طلاقها الذي سيقام في أحد فنادق بيروت.

ففي بلاد الأرز، لم تعد العروس تنتظر ليلة العمر للإحتفال بزواجها، فعزوفها عن الزواج بات حدثاً يستحق الإحتفاء أيضًا بنظر البعض، كما يستحق التنظيم بطرافة قد تلامس أحياناً حدوداً أخلاقية باتت أسلوباً معبراً، إذ يرى بعضهم أنه لا بدّ من متنفسٍ يجعل من يوم الطلاق موعدًا ليبقى الماضي حلمًا منقوشًا في الذاكرة، ومن هنا يأتي تنظيم تفاصيل ليلةٍ لبنانيةٍ شديدة التمايز .

حفلات الطلاق باتت ممكنة في لبنان، بعد أن أعلنت وكالة لتنظيم الاعراس والمناسبات عن إعدادها لهذا النّوع من الحفلات في بلدٍ يعاني من نسب طلاقٍ مرتفعة جدًا.

ويقول صاحب فكرة حفلات "وداع الزواج" ومدير وكالة "Petit Confort" لتنظيم الاعراس ​شارل بو سليمان​ في حديث لـ"النشرة": "إن هذه الفكرة بدأت منذ سنة بالتحديد، وقمنا بتوظيف حوالي 115 موظفة من مختلف الاعمار والاديان والثقافات، ومن بين الموظفات 35 امرأة مطلقة، فأردت التقرب منهن وسألتهن من باب التطفل عن أسباب طلاقهن".

ويتابع: "بين الكلام الجدي والمزاح، سألتهنّ إن كنّ يرغبن بالقيام بحفلة للطلاق، ومن هنا بدأت الفكرة الافتراضية تنمو في ذهني، ثم فاجأتني إمرأة أقمنا لها حفل زفاف سابقاً بانفصالها عن زوجها، فبدأت الفكرة الإفتراضية تصبح واقعًا..."

ويرى بو سليمان أنّ "نسبة الطلاق مرتفعة جداً"، ويردف: "نحن لا نحبذ ذلك، وضد فكرة الإنفصال وتفكك العائلات، لكن قررنا أن نجعل من هذا الحدث الحزين عند الإفتراق، حدثًا يرسم نهاية عذاب ومعاناة إن كان على الرجل أو على المرأة".

حفلة الطلاق ليست مناسبة حزينة، إنما على العكس، تشكّل فرصة للاحتفال بمرحلة جديدة مع عدد من الاصدقاء والمقرّبين وشكرهم ومكافأتهم لكونهم صدراً رحباً خلال فترة الطلاق وسيشكّلون سنداً للمرحلة الجديدة من حياة المطلّق أو المطلّقة، وفي هذا اليوم، يتمنّى الزوج السابق والزوجة السابقة لبعضهما حياةً سعيدة، ويصفحان عمّا مضى، ويمضي كلّ منهما في طريقه.

واللافت أنّ هذه الحفلات غير المألوفة في لبنان تعتبر عادية في الخارج حيث بدأت في الولايات المتحدة الأميركية، لكن بو سليمان يرفض أن يقوم أحد بتوصيف هذه الحفلات بأنها مستوردة من الغرب، مشيرا الى "أنّنا قولبناها لتنسجم مع المجتمع اللبناني، ونحن أول وكالة لتنظيم الاعراس والحفلات تعرض هذه الخدمة والفكرة، وعندما بدأنا بالترويج لها، انهالت علينا الاتصالات المرحّبة بها والمستفسرة عنها، والتجاوب كان كبيرا جدّاً، اذ نظمنا حتى الآن أربع حفلات "وداع الزواج"، وعندنا بعض الحجوزات في الأسابيع القليلة المقبلة".

ويكشف أن الجيل الجديد (حتى عمر الأربعين) يقبل هذه الحفلة فيما يرفضها الجيل القديم وكان ضدها بشكل مطلق.

وحول حسنات حفلات "وداع الزواج"، يقول بو سليمان: "يتوجب بالإنسان أن يستمر ولا يمكن أن يضع نفسه في جحيم، رغم انه غير راضٍ عما يقوم به "أي الطلاق" لكن ما العمل؟ فهو يريد أن يستمر في إدارة شؤون حياته، فجاءت هذه الحفلات لتكون نوعا من الإندفاع إلى حياة يبصر فيها الشخص آمالا جديدة".

وبنظر بو سليمان، فإن الحفلة تعطي إندفاعا لتبدأ حياتك مع أشخاص جدد وتشكر من خلالها الأشخاص الذين قاموا بمساندتك ووقفوا إلى جانبك خلال فترة الطلاق، معتبرًا أنّ "الزعل يقود إلى الفشل".

وإنتقالا إلى سلبيات هذه الحفلات، يؤكد أن "لا أحد يرضى بتفكك العائلة خاصة في ظل وجود أطفال من حقهم أن يعيشوا في كنف أهلهم"، نافياً أن "تكون الحفلات تبسيط لفكرة الطلاق، لأنه أمر واقع وهم يحتفلون بوداع الزواج، بعد أن يتم الطلاق في المحاكم أو عند المراجع الدينية".

وفي هذا السياق، تحدثت ريم عن تجربتها في عقد حفلة الطلاق، وقالت: "لقد حاولت من خلال هذه الحفلة التخفيف من وضع المعاناة عند الانفصال، وذلك من خلال إحياء حفلة تعيد لي الثقة بالنفس مع بداية مشوار جديد في حياتي"، لافتة إلى أنّ "الخيال والبحث عن المتعة من خلال الانتقام من الزوج بطريقة مضحكة كان سيد الموقف في حفلة طلاقي".

من جهته، يؤكد الدكتور في علم النفس الاجتماعي ​نصر الخازن​ لــ"النشرة" أنّ ظاهرة حفلات "وداع الزواج تعبر عن الرقي في الاخلاق لأن التفاهم ينفع العائلة والاولاد، لكن لها وجه سلبي خطير اذا كانت ظاهرة مجاهرة بتخطي المحرمات التي يرسمها المجتمع، خاصة ان في لبنان ليس هناك مجتمع موحد تحت ثقافة معينة، بل خليط من الثقافات وهنال فروقات كبيرة في الإنتماء الثقافي".

وعن مدى تقبل الجتمع اللبناني لهذه الظاهرة، يرى الخازن أن "ثقافتنا الراهنة في أشد حالاتها تشتتا وضياعا، ربما بسب بعدنا عن الفاعلية وكوننا في خانة "التبعية"، ولسنا من يصنع القرار الثقافي في هذا الكون بل نسير خلف الصانع للقرار، نتعبه ونرسم خطاه".

ليلة تمضي، وصور الطليقين تجمع وتحرق بين الحطب، ثم يؤدي الحضور التحية لـ"محبس الزواج" احتراما لفترة الزواج التي جمعت بينهما، فهل هناك من يفكر فعلا في معالجة جذور ازدياد الطلاق او يحتفل في التغلّب على مسبباته التي تأكل أسس البنيان الاجتماعي والإنساني؟ سؤالٌ يبقى جوابه رهن الأيام المقبلة، ولربما نجد يوما حفلات "العودة عن الطلاق" ومن يعلم، أوليس لبنان بلد العجائب والغرائب؟