بعد الهجوم العنيف الذي شنه وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ على حزب الله في ذكرى إغتيال اللواء وسام الحسن، وضعت غالبية التوقعات السياسية ما صدر عن المشنوق وما يمكن أن يصدر عن الحزب في خانة السجالات السياسية اليومية، التي تنطلق عادة من هجوم لتتوالى الردود عليه، ومن بعدها الردود المضادة.

غير أن حزب الله، ومن خلال الطريقة التي تعاطى فيها مع خطاب المشنوق، حوّل كل هذه التوقعات، رهانات وتكهنات سياسية في غير محلها. فلم يذهب الحزب الى حرب إعلامية مع تيار المستقبل الذي يشكل وزير الداخلية أحد ممثليه الأساسيين في الحكومة، بل تعامل معه على قاعدة وكأن هذا الكلام الهجومي لم يصدر أساساً، أعطى تعليماته الى نوابه ووزرائه بعدم الرد، وكذلك أوعز الى مؤسساته الإعلامية. وعن أسباب قرار عدم الرد هذا، يقول مقربون من الحزب "إنها عديدة، وتنطلق من إعتبارات وطنية تفوق أهميتها أي سجال مع فريق سياسي لأسباب تتعلق حصراً باللعبة الداخلية اللبنانية".

السبب الأول يفسره المقربون من الحزب، على الشكل التالي: "في الوقت الذي يخوض فيه الحزب أخطر وأشرس معركة وجودية ضد الإرهاب في سلسلة جبال لبنان الشرقية، يكون التركيز محصوراً بالمعركة، وتصبح الأولوية للميدان، بعيداً كل البعد عن تضييع البوصلة بسجالات سياسية لا نفع منها. ولأن المعركة الوجودية تتعلق بوجودية كل مكونات الشعب اللبناني على مختلف طوائفه ومذاهبه وتياراته وأحزابه، على إعتبار أن الإرهاب لا يفرق بين مكوّن وآخر ولا يتردد حتى عن ذبح أهل السنة، كان من الأفضل لو قدّر الوزير المشنوق الظرف السياسي، وأرجأ هجومه الى توقيت آخر وعندها تكون الردود المناسبة".

وإذا شكل الميدان السبب الأول لعدم إنجرار الحزب الى سجال مع وزير تيار المستقبل، فالحكومة هي السبب الثاني. نعم الحكومة التي، وعلى رغم الخلافات السياسية في داخلها، لا يريد الحزب تطييرها أو تعطيل عملها في الوقت الراهن، فهي المؤسسة الوحيدة التي تعمل في ظل الفراغ الرئاسي وعدم تشريع مجلس النواب، وهي الطاولة الوحيدة التي يجتمع حولها الأفرقاء السياسيون، أكانوا من فريق الثامن من آذار والتيار الوطني الحر أو من قوى الرابع عشر من آذار. فأي سجال بين تيار المستقبل وحزب الله، كان سيؤدي الى تفجيرها أكثر مما هي منفجرة وهذا ما لا يريده الحزب في هذه المرحلة.

السبب الثالث يعود الى تفهم الحزب للسباق السني القائم بين المشنوق وزميله وزير العدل أشرف ريفي الى السراي الحكومي، إذ جاء هجوم المشنوق على الحزب بعد مطالبة ريفي بإلغاء المحكمة العسكرية إنطلاقاً من إقتراح قانون النائب ايلي كيروز، معتبراً أنها "تطبق سياسة الصيف والشتاء تحت سقف واحد في أحكامها بين السنة والشيعة". هذه المزايدة دفعت بالمشنوق بحسب المقربين من الحزب الى التصعيد ضد السلاح، فما كان منه إلا أن إختار المناسبة الأفضل لتمرير مثل هذا الخطاب.

أما السبب الرابع الذي دفع بالحزب الى عدم التسرع والرد على المشنوق، فيعود الى معطياته التي تؤكد أن قيادة المشنوق السياسية، لا تريد راهناً فتح معركة سياسية معه.

إذاً قال المشنوق ما قاله في ذكرى الحسن، من دون أن تحدث كلمته التداعيات السياسية المتوقعة، والسبب قرار متخذ مسبقاً من المشنوق وفريقه، ومن الحزب أيضاً.