لاريب أن سلوك "تيار المستقبل" السياسي والميداني الراهن هو انعكاس للاشتباك القائم في المنطقة، لاسيما بعد الهزيمة الاستراتيجية التي تلتقتها المملكة العربية السعودية بعد وصول "أنصار الله" في اليمن إلى ممر "باب المندب"، الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب.. إثر ذلك علت أصوات "المستقبليين" ضد الجيش والمقاومة، اللذين يلتقيان على هدف واحد هو محاربة الإرهاب، خصوصاً بعدما تمكّنت مديرية المخابرات في الآونة الأخيرة من ضبط أكثر من خلية نائمة على صلة بتنظيم "القاعدة"، وكذلك تقوم المقاومة بدورها بالتصدي لمحاولات التكفيريين التسلل إلى بعض القرى البقاعية والجنوبية من جهة شبعا، الأمر الذي يبدو أنه أقلق "التيار الأزرق"، فهبّ لنصرة التكفيريين بشكل مباشر وغير مباشر؛ سياسياً وميدانياً.

من الناحية السياسية، يؤشر أداء الحريرين إلى أن هناك توزيع أدوار على نوابهم وقياديهم، وأن لبعضهم دوراً ثابتاً في التحامل على المؤسسة العسكرية، انضم إليهم أخيراً وزير الداخلية نهاد المشنوق، بعد الكلام الناري الذي أطلقه ضد مخابرات الجيش والمقاومة في الذكرى الثانية لاغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن.

وفي سياق محاولات "المستقبل" إضعاف الجيش، والالتفاف على دوره في الظروف الصعبة الراهنة، يرفض هذا "التيار" الهبة العسكرية الإيرانية غير المشروطة للمؤسسة العسكرية، كذلك يماطل في إيصال الهبة السعودية المقدَّمة لها.

أما من الناحية الميدانية، فقد تبيّن أن "التيار الأزرق" على تنسيق مع الخلية التكفيرية التي كان يتزعمها شادي المولوي وأسامة منصور، اللذين أُخرجا مؤخراً من "المربع الأمني" الخاص بهما في "باب التبانة"، ثم تمّ نقلهما إلى ملاذ آمن بمسعى من وزير العدل أشرف ريفي، بحسب مرجع شمالي واسع الاطلاع.

ويعتبر المرجع أن إخراج المولوي ومنصور من دون إحالتهما إلى القضاء المختص هو لإبقائهما "غب الطلب" عند أي تطوّر ميداني، مادام الاشتباك الإقليمي قائماً.

كذلك يرى المرجع ألا لمصلحة لـ"المستقبل" في استمرار الحالة الأمنية الشاذة في طرابلس، التي انعكست سلباً على الوضعيْن الاجتماعي والسياسي، وبالتالي بدأت تغيّر في المزاج السياسي لدى الطرابلسيين وموقفهم من المحور المعادي للمقاومة، لاسيما التكفيريين، عندها سارع الحريريون إلى إزالة "حالة مولوي ومنصور"، والإمساك بالشارع بشكل مباشر، خوفاً من انقلابه عليهم.

لا ريب أنه كان للجيش الدور الأبرز في إزالة المربع المذكور، فقد وضعت قيادته الأطراف السياسيين أمام مسؤولياتهم في حال انفلات الوضع الأمني في البلد وإبقاء الغطاء السياسي للبؤر الأمنية، وبالتاكيد أن ليس بإمكان أي من الأطرف تحمُّل تبعات ذلك، بمن فيهم "المستقبل"، كذلك إصرار المؤسسة العسكرية على استئصال هذه البؤر، لاسيما "مربع مولوي - منصور".

في المحصلة، يرفض "المستقبل" الهبة العسكرية الإيرانية للجيش، ويماطل في إيصال الهبة السعودية، ويخبىء لديه المجموعات الإرهابية، وكذلك يرفض إجراء الانتخابات النيابية، إذاً ماذا يريد الحريريون؟

للاجابة عن هذا السؤال، يرى مرجع حزبي إسلامي أن السلوك السياسي للحريريين يؤشر إلى أنهم يسعون لإبقاء الوضع متوتراً من دون أن يصل إلى حد الانفجار الكبير، وعدم التضييق الكامل على الحركات التكفيرية التي تقاتل حزب الله، في انتظار ما تؤول إليه الأوضاع الإقليمية.