بعد تسريب صور لطائرات حربيّة روسيّة الصنع تُحلّق على علوّ منخفض فوق مناطق يُسيطر عليها مُسلّحو تنظيم "داعش"، إنشغل المُتابعون لمجريات الحرب في سوريا بملاحقة أخبار هذه الطائرات، مُحَاولين تحديد هويّة طيّاريها والأهداف من تحليقها ومخاطرها المحتملة. فما هي القصّة الكاملة؟

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ المعارضة السوريّة سيطرت خلال الحرب السوريّة على مطارات عسكريّة وعسكريّة-مدنيّة عدّة(1)، إلا أنّها فشلت في إبقاء سيطرتها عليها كلّها، بعد أن شنّ الجيش السوري هجمات مضادة لاستردادها. لكن دخول هذه المطارات، ولوّ لفترة محدودة من الوقت، كان كافياً لوضع اليد على طائرات مُعطّلة جزئياً أو كلياً لم ينجح الجيش السوري في تهريبها قبل سقوط المطارات التي كانت مركونة فيها، كونها كانت تخضع للصيانة أو موضوعة جانباً للإستفادة منها كقطع غيار. وفي الأشهر القليلة الماضية، قامت مجموعة من السلاح الجوّي العراقي السابق تنتمي حالياً إلى تنظيم "داعش"، بتجميع مُكوّنات بعض الطائرات الحربيّة التي تضاربت المعلومات بشأن طرازها(2)، وجرى التحليق بها من قبل طيّارين سابقين من الجيش العراقي. وقد سارع النظام السوري إلى الإعلان عن قيام سلاح الجوّ السوري بتدمير إثنتين من ثلاث طائرات صالحة للطيران حلّقت في أجواء حلب أخيراً، الأمر الذي نفاه "المرصد السوري لحقوق الإنسان". وبغض النظر عن صحّة عمليّة التدمير أو عدمها، وعمّا إذا كان عدد الطائرات الصالحة للطيران بحوزة "داعش" هو ثلاث أم أكثر، الأكيد أنّ النظام السوري يجهد بكل إمكاناته لتدمير هذه الطائرات لسببين أساسيّين:

السبب الأوّل: لا يخشى النظام السوري قيام هذه الطائرات بغارات جويّة تقليديّة، لأنّ دفاعاته الأرضيّة وسلاح جوّه سيتكفّلان بإسقاط أيّ طائرات تابعة للمعارضة في حال تحليقها فوق مناطق سيطرة الجيش السوري. لكن الخشية هي من إستخدام هذه الطائرات، حتى تلك المخصّصة للتدريب منها والتي يُعتقد أنّ "داعش" قد وضع يده على عدد كبير منها، في هجمات إنتحارية أو في عمليّات إغتيال من الجوّ. فالتدريب الحاصل حالياً لعدد من عناصر "داعش" في قيادة هذه الطائرات، سيجعلها بمثابة قنبلة موقوتة يُمكن إستخدامها في أي وقت للتحليق على علوّ منخفض نحو هدف مُحدّد، بعد تعبئتها بكمّية كبيرة من المتفجرات، للقيام بعمليّات إنتحارية مُؤذية على غرار العمليّات الإنتحارية التي نفّذها سلاح الجوّ الياباني خلال الحرب العالمية الثانية، والتي كانت معروفة بإسم Kamikaze.

السبب الثاني والأهمّ: يخشَى النظام السوري أن تتخذ الدول الغربيّة وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، من تحليق طائرات حربيّة بحوزة تنظيم "داعش"، ذريعة لفرض منطقة حظر جوّي فوق أجزاء واسعة من سوريا، بحجّة الخوف من قيام هذا التنظيم بتنفيذ عمليّات إرهابيّة من الجوّ ضد أيّ من المصالح الغربيّة في المنطقة. وتحت هذه الحجّة قد يتمّ مُستقبلاً حرمان الطيران التابع للجيش السوري من إمكان قصف تجمّعات المُعَارضة ومراكزها، فوق مناطق محدّدة من سوريا، على غرار ما حصل في العراق إثر حرب "تحرير الكويت"(3)، الأمر الذي سيسمح للمعارضة السورية الموالية للغرب بإنشاء مُخيّمات تدريب وبتجميع قواها، من دون الخشية من غارات الطيران السوري. وهذه الخطوة–في حال تطبيقها، تعني أيضاً حرمان الجيش السوري من التغطية الجويّة التي يستفيد منها في مختلف معاركه مع المعارضة، الأمر الذي قد يُحدث تغييراً في ميزان القوى الحالي الذي يميل لصالح الجيش النظامي.

من هنا، إنّ تكرار تحليق طيران حربي تابع لتنظيم "داعش" في الأيّام المقبلة لن يكون مزحة، ولن يتم التعامل معه باستخفاف، والدليل هو الغارات السورية العنيفة والمستمرّة على مطار كشيش في حلب الذي إنطلقت منه الطلعات الجويّة للمعارضة، وذلك لأنّ المخاطر المباشرة المُتمثّلة باحتمال تنفيذ هجمات إنتحارية من الجوّ كبيرة، والمخاطر غير المباشرة المُتمثّلة بفرض حظر جوي جزئي فوق سوريا أكبر!

(1) أبرز المطارات التي سيطرت عليها المعارضة السورية لفترة محدوة أو حتى اليوم، هي: مطار الحمدان في دير الزور، ومطارا مرج السلطان وعقربا في ريف دمشق، ومطار تفتناز في إدلب في الشمال السوري، ومطار الضبعة في حمص، ومطار منغ في ريف حلب الشمالي، ومطار الجراح في حلب (معروف بإسم مطار كشيش)، ومطار الطبقة في الرقّة.

(2) هي على الأرجح من طراز L-39ZA Albatros المخصّصة للتدريب، وربّما من طراز Mig 21 أو Mig 23 الهجوميّتين في أفضل الأحوال.

(3) بعد إخراج الجيش العراقي من الكويت على يد "القوات الحليفة" في العام 1991، تمّ فرض منطقتي حظر جوّي فوق العراق، الأولى في الشمال لحماية الأكراد، والثانية في الجنوب لحماية شيعة العراق.