المدينة التي يدور حولها وداخلها القتال بين المجموعات الكردية ومسلحي داعش، على الحدود التركية السورية، تختصر بتسميتها الكثير من المعاني المتصلة بالحرب على المنطقة.

الاسم الرسمي في سجلات الدولة السورية متشبع بالهوية العربية، ويتخطى مجرد كونه اسماً عربياً مثل أي تسمية لأي بلدة أو مدينة، لدرجة بروزه كعنوان للهوية العربية «عين العرب»، فيصير التداول فيه تثبيتاً لهذه الهوية.

للوهلة الأولى يبدو الإصرار على تجاهل التسمية العربية، واعتماد اسم ​كوباني​ في كل الإعلام العالمي، محاولة لتأكيد هوية كردية ثقافية وسياسية واجتماعية منفصلة عن الوطن الأم سورية، فيظن السامع لاسم كوباني أنه الاسم الكردي الأصلي، الذي جرى تغييره لتسمية تكشف أصحابها كعروبيين متطرفين، اعتدوا على الهوية الكردية وصولاً إلى تغيير اسم المدينة.

الأكيد أن المدينة حديثة التكوين كمدينة، فعمرها مئتا سنة ونيف وتحمل اسم عين العرب من يوم ولادتها، وفيها أوابد أشورية وآرامية، وكهوف قديمة أثرية، والأكراد وافدون عليها وليسوا سكانها الأصليين، فقد تجمعوا فيها وحولها تباعاً مثلهم مثل النازحين الأرمن هرباً من المذابح التركية مطلع القرن الماضي، ومع ترسيم خط الحدود السوري التركي بين الاستعمار البريطاني وشريكه الفرنسي، والاسم المتداول لدى الأكراد هو كاني في ترجمة لتسميتها العربية أي العين، بدلالة عدد من عيون الماء المنتشرة فيها، أما التجمعات الكردية الأخرى والأكبر فجاءت على شكل مخيمات للعمال الذين شاركوا ببناء خطوط سكك الحديد المتقاطعة فيها، خصوصاً خط أورفة بغداد وخط الحجاز، بين عامي 1910 و 1911 حيث تمركزت الشركة البريطانية التي تولت خط الحجاز، والشركة الألمانية التي نفذت خط بغداد.

تسمية كوباني، هي التسمية المستمدة من كلمة شركة باللغات الأوروبية الفرنسية والإنكليزية والألمانية، كومباني هي الكلمة أي «الشركة»، العمال ذاهبون إلى الكومباني وعائدون من كومباني، وكنت في كوباني ونلتقي في كوباني وأعمل في كوباني فصار المكان يحمل الاسم بالتداعي وقوة العداة واختزال حرف الميم المثقل لتصير تلقائياً كوباني.

الإعلام العالمي وأغلب الإعلام العربي مصران على تسمية كوباني على رغم أن الجميع يعلم ما نعلم، لأن الإصرار على تسمية يوحى من خلالها بتبني الهوية الكردية التي لا يخصها الاسم بوجه تسمية عربية أصيلة لكنها حقيقية وتاريخية وتعبير دقيق عن الهوية، نموذج قابل للتدريس عن كل السياسات الإعلامية الغربية، وعن كيفية تعامل السياسة والإعلام في الغرب مع كل قضايا وشؤون المنطقة، اشتغال على الفتن بالإيحاءات، خوض معارك غير مباشرة لتفجير حروب الهويات، لكن في النهاية الهوية التي يروج لها، لا كردية ولا عربية، ولا تركية، بالتركية عين العرب هي مرشد بنار ومعناها أيضاً مجموع عيون، الهوية التي يراد تسويقها هي الشركة، والشركة فقط.

كل البلاد العربية اسمها واحد، تختصره، كوباني، كل البلاد كوباني، هويتها المراد تسويقها هي الشركة، ولا يهم أن تكون الشركة في لبنان اسمها سوليدير وفي السعودية اسمها آرامكو، وفي مصر شركة قناة السويس قبل التأميم، المهم أن تكون الهوية كوباني.