ترك اللبنانيون للسياسيين إدارة عملية حماية مؤسساتهم الدستورية، بمعزل عن رضاهم أو عدم رضاهم عن هؤلاء السياسيين، أو عن تركيبة ومن يقف على رأس هذه المؤسسات، وبمعزل عن مسؤولية اللبنانيين في أن يكون الأمر والنهي بيد هؤلاء السياسيين بمختلف انتماءاتهم وتفاهماتهم وخلافاتهم.

الأمور بخواتيمها، ها هم اللبنانيون يرثون الفراغ في مؤسسة الرئاسة، ويتجهون لمثلها في مؤسسة التشريع، أي المجلس النيابي، أو تمديداً يقدّم لهم بصفته إنجازاً وطنياً لمنع الوقوع في الفراغ.

الفراغ يعم سائر المؤسسات، من الإدارات العامة التي يتولى إدارة أغلبها مدراء بالوكالة، إلى مؤسسات الرقابة، وصولاً إلى أغلب مفاصل الدولة الغائبة أو المغيبة.

لا يشعر اللبنانيون أنّ لديهم دولة يسندون ظهرهم إليها في الملمات، إلا عندما يتطلعون صوب جيشهم الوطني وتضحياته وإنجازاته، خصوصاً في قلب لحظة دولية وإقليمية تتحدث الدول العظمى عن قفز التحدي الأمني إلى المرتبة الأولى في اهتماماتها، ولحظة تبدو كل دول الإقليم، مهددة في وحدتها واستقرارها، فتتساءل عن مدى قدرتها على الثقة بجيوشها، وتحمل الأخبار كل يوم جديداً عن أحوالها، يتصدره خبر موت العشرات قتلاً وتفجيراً، وها هم اللبنانيون على انقساماتهم حول سورية وما يجري فيها، يسلمون أن ما منع تقسيم سورية وضياعها، أنها بنت جيشاً خبأته كقرشها الأبيض ليومها الأسود، وها هي مصر دون الكثير من شبيهاتها من دول الربيع العربي تتمكن من الوقوف على قدميها لأنها صانت وحمت جيشها للملمات فوجدته في وقت المحن.

على رغم ضعف قدرات ​الجيش اللبناني​ وغياب رعايته الخارجية تسليحاً وتدريباً، إذا ما قورن بالجيشين العراقي واليمني، يبدو الأقدر على مواجهة التحديات، والسيطرة على مسارها، والحفاظ على تماسكه واحتوائه للتحديات والهجمات، وإن أردنا التمعّن في الأسباب، فسنجد أنه الأبعد بين كثير من جيوش المنطقة عن تفشي الفساد بين صفوفه، وخصوصاً على مستوى كبار الضباط الذين لا يزال بينهم من يحمل دمه على كفه ويتقدم جنوده في الميدان، كما سنجد أنه منذ صارت للجيش عقيدة قتالية عنوانها الشراكة مع المقاومة في قتال «إسرائيل»، وتالياً في قتال الإرهاب، وبعيداً عن ضجيج السياسة، يشعر هذا الجيش بالاقتدار والقوة، والثقة بالنصر، بفعل قتاله للجيش «الإسرائيلي» يوم كان يقال أنه لا يقهر، وبسبب شراكته مع المقاومة التي صارت القوة التي لا تقهر باعتراف أعدائها قبل الأصدقاء.

لا يفتح فمه على الجيش من يدّعي أنه يريد تصحيح بعض نقاط الضعف هنا أو هناك، فالمؤسسات والغرف المغلقة مكان هذه الملاحظات في حال صدق النوايا وصدق الملاحظات، وحدهم المتآمرون مع الإرهاب والمتواطئون معه تحت الطاولة يتطاولون على الجيش.

إنجازات الجيش الأخيرة خصوصاً في الشمال تقول إن هناك عيناً ساهرة لا تنام هي مخابرات الجيش، التي بات مكشوفاً سبب التصويب عليها وهوية من يصوّبون ولحساب من، فقد حملت اعترافات خلية الضنية، التي يقودها أبو بكر الميقاتي أسماء ومعلومات، عن نواب وشخصيات متورطة في التخطيط لاستهداف أمن البلد والجيش.

خالد الضاهر مطلوب للعدالة، هو لسان حال اللبنانيين، فلترفع عنه الحصانة ويقدم للمحاكمة، وفقاً لما هو أبعد من خطاب التطاول، بل التورط في التآمر على الجيش.

مهر التمديد للمجلس النيابي ليس إخراجاً وطنياً لعدم تجرّع كأس الفراغ، فافرغوا ما شئتم من المؤسسات فهي لكم، ودعوا لنا الجيش بأمان، وسنغفر لكم التمديد إنْ سدّدتم المهر، رفعاً للحصانة عن خالد الضاهر ومن تورّط معه في اعترافات أمير «داعش».