لم يكن الخلاف حول الملف الرئاسي أول مؤشر لتصدّع العلاقة بين "حزب الكتائب" وفريق "14 آذار" الذي لا يزال ينتمي إليه، فقد سبقه أكثر من اشكال سياسي وتلته خلافات بالجملة ترجح باقي مكونات "14 آذار" أن يكون طموح ​أمين الجميل​ الرئاسي سببها المباشر.

لم يعد الجميل العتيق يأبه كثيرًا لاحتواء الخلافات، خصوصًا أنّه كان يتطلع وبعد مرور أكثر من 6 أشهر على تبني قوى "14 آذار" ترشيح رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​، وفشله بتحقيق اي خرق يُذكر بجدار الأزمة الرئاسية، لأن تتبنى هذه القوى ترشيحه الذي لم يفوّت فرصة إلا وأعلنه وفاتح به المعنيين في الداخل وحتى اقليميًا ودوليًا. تمايز رئيس الجمهورية السابق بموضوع التمديد عن حلفائه، فكاد يتكامل مع رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون بطريقة مقاربته للملف... عندها اعتبرت باقي مكوّنات "14 آذار" أنّه "يراوغ" ويسعى لتحقيق مكاسب شعبية معينة في الشارع المسيحي لا سيّما وأنّه سار بالتمديد الأول للمجلس، إلا أنّ الخلافات تفاقمت مع تراجع عملية التنسيق بين أطراف الفريق الواحد بعدما اتسعت الهوة على خلفية ملف الرئاسة.

مؤخرًا قرر الجميل لعب ورقة "جوكر" بعد دعوة العماد عون لحصر المنافسة الرئاسية بينه وبين جعجع، عندها أحسّ رئيس "الكتائب" أن الأفق بات يضيق كثيرا عليه، فخرج ليتمرّد بالدعوة للتنسيق مع النظام السوري متحدثا عن "مصلحة وطنية ملحّة بذلك".

علم الجميل تمامًا أنّه وبذلك يلعب على الوتر الحساس لباقي مكونات "14 آذار"، التي آثرت عدم الرد مباشرة عليه نظرا لصدور الموقف عشية اغتيال نجله الوزير السابق بيار الجميل. احترمت هذه القوى الذكرى إلا أنّها لم تتمكن من "بلع البحصة"، فقالت مصادر في تيار "المستقبل" أنّها تعي تمامًا أنّ الموقف الذي أطلقه الجميل يندرج باطار "زكزكتها" ردا على التطورات الحاصلة بالملف الرئاسي، مشددة على أنّها على "يقين بأن رئيس الكتائب لم يقل ما قاله اقتناعًا به خصوصًا وأنّه وجّه اكثر من مرة اصابع الاتهام باغتيال نجله باتجاه نظام الرئيس السوري بشار الاسد".

وتستغرب المصادر "كيف يتعاطى الجميل بهذه الخفة مع الموضوع الرئاسي، وهو يدرك تمامًا أنّ حظوظه بالرئاسة منعدمة تمامًا كحظوظ جعجع وعون"، متسائلة: "بماذا يختلف الجميل عن جعجع؟ هل يستطيع أن يؤمّن صوتًا واحدًا من اصوات قوى الثامن من آذار؟"

وترى المصادر انّه "ليس المطلوب في هذه المرحلة تغيير مرشحين لمجرد التغيير"، مؤكدة أن "تيار المستقبل ليس بوارد التعاطي مع الملف بهذه السذاجة، فالموضوع يطال الموقع المسيحي الاول في البلد والمنطقة، وعلى القادة المسيحيين أن يدركوا ذلك قبل سواهم".

وتؤكد كل المعطيات أن حزب "الكتائب" يتجه تدريجيا للانسحاب من تحت جناحي فريق 14 آذار، وهو ما عبّر عنه قياديوه أكثر من مرة حين أعربوا عن رغبتهم الانضمام الى معسكر النائب وليد جنبلاط الوسطي... ولا يبدو أنّ أحدا من الأطراف حاليا قادر على تغيير الوجهة الكتائبية إلا زعيم "المستقبل" سعد الحريري الذي يبدو منهمكا في لمّ صفوف تياره أولا وغير متفرغ لحلفائه.

وبانتظار "تفرّغ" الحريري، تبقى علامات الاستفهام كثيرة حول التموضع "الكتائبي" الجديد، وما إذا كان "الطلاق" سيقع أخيرًا مع "الحلفاء"، خصوصًا بعد أن أصبح "التمايز" عنهم، في القاموس "الكتائبي"، القاعدة لا الاستثناء!