صحّت المعلومات التي كانت "النشرة" نقلتها عن دبلوماسي شرقي بخصوص التمديد للمفاوضات النووية الايرانية الغربية لمدة ثمانية اشهر تنتهي في تموز من العام المقبل، في ظلّ مزيد من المعلومات الواردة من كواليس الاجتماعات تشير بمجملها إلى أنّ المحادثات بين طهران من جهة ومجموعة الدول 5+1 من جهة اخرى، أحرزت تقدّمًا كبيرًا لامس في مضمونه الاتفاق الضمني غير المعلن بانتظار تدوير بعض الزوايا المتعلقة بعلاقة واشنطن والدول المتحالفة معها، إضافة إلى ضرورة الاعتماد على الوقت والتطورات لبلورة بعض الملفات المتصلة بتوزيع الادوار الاقليمية استنادًا إلى الاحجام والاوزان التي أفرزتها التحولات الاخيرة وتداعياتها على عدد من الدول الخليجية والاقليمية على غرار العراق وسوريا، فضلا عن ضرورة الاستمرار في ممارسة لعبة عضّ الاصابع بانتظار معرفة نتائج الخطوات التي تعتمدها الحكومة الاسرائيلية لاعلان يهودية الدولة العبرية، مع ما يعنيه ذلك من مقايضة للمواقف وإعادة فرز للأزمة على أسسٍ جديدة تحتاج إلى المزيد من الوقت المستقطع لاعادة هيكلتها وفق الخريطة الجيوسياسية المستجدة.

ما يعزّز هذا الاعتقاد هو إعلان وزير الخارجية البريطاني ​ويليام هيغ​ عن تمديد المفاوضات مع ايران وانها ستحصل كل شهر على 700 مليون دولار من ارصدتها المجمّدة في اشارة واضحة إلى النتائج المباشرة. بيد أنّ الدبلوماسي الشرقي يؤكد في معرض معلوماته أنّ المحادثات حول النووي انتهت إلى توافق كامل، غير أنّ العقبة التي ما زالت قائمة تتمحور حول ملفات إقليمية متصلة بإيران ودورها في الخليج، إضافة إلى علاقاتها المستقبلية مع المملكة العربية السعودية وتركيا، وهي التي تحتاج إلى مزيد من المشاورات لوضع سلم الاولويات قيد التنفيذ، إضافة إلى تحديد الاولويات في جدولة الأجندة الدولية وما يتصل بها من استحقاقاتٍ اقتصادية وسياسية وعسكرية، في ظلّ عددٍ من الاستحقاقات الدولية أبرزها الانسحاب الأميركي من أفغانستان وترتيب البيت الاوكراني وعلاقته بموسكو ومستقبل العلاقات الروسية الاميركية، إضافة إلى نتائج الحملة الاميركية على "داعش".

وليس بعيدًا عن ذلك، توقف الدبلوماسي عند ما وصفه بالنشاط الزائد الذي رافق الساعات الاخيرة من المفاوضات، بحيث لعبت الدبلوماسية الاوروبية دورًا بارزًا في نقل الاجواء الحقيقية من داخل قاعات المباحثات الى الدول الخليجية المعنية بنتائج الاتفاق وما يمكن أن تفضي إليه من ارتدادات مباشرة، خصوصًا أنّ الأجواء كانت وما زالت نتحو باتجاه إيران في ظلّ قناعة غربية بضرورة عدم انهيار المفاوضات مهما كانت الاسباب والمسببات، وذلك ما يبرّر الاتفاق للافراج عن المزيد من الأرصدة الايرانية المجمدة تعويضًا عليها لتداعيات خفض اسعار النفط العالمية بحيث لا يعود السماح لايران بانتاج كميات محددة من النفط مجرد نظرية على قاعدة الإعطاء بيد والاخذ باخرى، وذلك على عكس ما تعانيه الدول الخليجية الاخرى من تداعيات اقتصادية قد ترغمها على تقديم تنازلات اضافية لمصلحة النووي الايراني على عكس الموقف الايراني الذي يبدو متشدّدًا في ظاهره ومتجاوبًا في مضمونه، بدليل تقاطع المواقف الصادرة عن وزراء الخارجية الغربيين المشاركين في اجتماعات فيينا الختامية، المنتهية إلى ترحيل إعلان الاتفاق وإجراء بعض التعديلات عليه ليصبح جاهزًا للتوقيع في مراحله المقبلة في غضون أشهر، بحيث تتركز الاجتماعات اللاحقة على إعداد آليات التنفيذ بعد أن تكون الدول الخليجية قد حسمت أمرها لاسيما أنّ هناك اجتماعات قريبة للغاية ستعقد في سلطنة عمان وفي مسقط تحديدًا، ما يعزّز القناعة بأنّ الدور العماني ما زال فاعلا وأنّ قنواتها الدبلوماسية ما زالت ضمن مدة الصلاحية، وبالتالي فإنّ المرحلة المقبلة ستشهد مزيدًا من المراوحة ومن تمديد لعمر الأزمات الفرعية على غرار الأزمة اللبنانية بانتظار بلورة المواقف المستقبلية وما يمكن أن ينتج عن الحرب على الارهاب التي تبقى ايران واحدة من حلقاتها المفقودة، والتي يتم البحث بشأنها على هامش النووي.