محشور حلف أعداء سورية في الزوايا الضيقة بعد نحو 44 شهراً ونيف من الحرب الواسعة التي شُنِّت على الدولة الوطنية السورية، ورُصدت لها الإمكانيات المذهلة؛ مالياً، ومرتزقة، وعتاداً، وإعلاماً، واستُحضرت فيها كل المشاريع الاستعمارية التي كانت تُعدّها دوائر الاستخبارات الغربية والأميركية والصهيونية منذ أكثر من قرنين، والقاسم المشترك فيها كان المبدأ الاستعماري الإنكليزي المشهور: "فرّق تسد"، وبهذا طفت على سطح التطورات موجات الإرهاب التكفيري، التي أخذت التطورات تكشف مدى انخراط الغرب والأميركيين و"الإخوان" وما يسمى الأصوليات من "وهابية" وبدع "سلفية" حديثة وقديمة لا تمت إلى الدين الحنيف بصلة، في خُلُقها ونشرها، من أجل تشظّي المنطقة، لكن الصمود الأسطوري للدولة الوطنية السورية وجيشها، وموقف حلفائها معها، بدأ يصيب المشروع الجهنمي بمقتل، وبدأت مرحلة مراجعة الحسابات، التي يبدو أن التركي وبائع الكاز العربي لم يبدآ باستيعابها بعد.

ووفقاً للوقائع التي أخذ يفرضها الميدان السوري، فإن واشنطن والغرب باشرا مرحلة حصر الأولويات، فبدأ همّهم يتحول إلى الحرب على الإرهاب، وسقوط شعارهم "إسقاط الأسد"، وقد أعلنها الأميركي واضحة، وهذا ما جعل السعودية في حالة من فقدان الاتزان والعقلانية، فوسّعت بيكار عداواتها بطلب مندوبها من منبر مجلس الأمن الدولي إدراج حزب الله كمنظمة "إرهابية"، مترافقاً مع حملة إعلامية خليجية وصهيونية تروِّج لهذا الطرح.

لكن هذا الهجوم السعودي لم يلقَ اهتماماً من دول الغرب، التي أخذت تتخوف من الموجات الارتدادية للإرهاب التكفيري على عواصمها، خصوصاً أنه مع كل ضربة توجَّه للإرهاب في سورية والعراق يعني أن هناك عودة لتكفيريين إلى المكان الذي انطلقوا منه، في وقت تتكشف وقائع صريحة ومدوّية عن حجم الانخراط السعودي والخليجي في احتضان الإرهاب وتمويله، واستمرار تجنيد الناقمين في مملكة الرمال في تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، بحيث إن وقائع المواجهات تشير يومياً إلى مقتل أو اعتقال أو فرار سعوديين، وفي ظل اتساع قلق آلاف العائلات الخليجية على شبابها الذين غرّر بهم شيوخ فتاوى "غب الطلب" أو "الديلفري"، بعد أن تخرجوا من المعاهد والكليات "الوهابية"، التي غرست فيهم بذور وعقائد التكفير ورفض الآخر.

وإذا كانت الخيبة هي ما توصف به حملة التهييج السعودي ضد سورية والعراق والمقاومة في لبنان وإيران، فإن الآخرين من حلف أعداء سورية ليسوا أفضل حالاً.

فتركيا تتحرك في كل الاتجاهات بعد التطورات الأخيرة وتوجيه واشنطن لأنقرة ما يشبه الصفعة؛ برفض الأولى إقامة منطقة عازلة على الحدود التركية مع سورية، فتحرّك "الصدر الأعظم" أحمد داود أوغلو نحو العراق وكردستان، وإذا كان قد أخذ نفساً من مسعود البرازاني، إلا أنه وصله من طهران، وسمع في بغداد، كما وصل إلى أذنه مباشرة من جو بايدن أنه لن يصل إلى ركبة مترنيخ، كما بلغه مع سيده رجب طيب أردوغان أن الرجل الغامض الجنرال سليماني، وهو بلباس مدني، استطاع مع خمسين رجلاً من رجاله أن يهزموا "داعش"، وأن تبدأ بالتقهقر، فكيف الحال إذا لبس ثياب الميدان؟ خصوصاً أن اتباع وجماعة أردوغان وأوغلو وقطر من "الإخوان" بدأوا يتلقون الهزائم في كل مكان؛ من مصر قبل عدة أشهر، إلى تونس قبل أيام، وما بينهما، وعبّر عنه بشكل واضح في السادس من تشرين الثاني الجاري بإطاحة قيادة رياض الشقفه وفاروق طيفور وحاتم الطبش، وانتخاب قيادة "إخوانية" جديدة لسورية، وبالتالي فحتى ما يسمى "المعارضة السورية الليبرالية" على شاكلة برهان غليون وميشال كيلو ومن لفّ لفّهما غرقوا بغرق "الإخوان"، واهتزاز الصورة القطرية التي أطاحت سابقاً بحمدَي الدوحة، وجعلت تميماً مرتبكاً وتائهاً، فتمسّك بقشة الوساطة الكويتية حتى لا تزداد عزلته الخليجة والعربية.

وإذا كانت العائلات والأسر الخليجية تتزايد تساؤلاتها عن مصير الآلاف من أبنائها الشباب الذين دفعتهم فتاوى "الوهابية" إلى مصير مجهول في سورية والعراق، فإن ثمة ملف حساس بدأ يطل برأسه عندنا في لبنان، وبدأت قيادات "مستقبلية" و"سلفية" تتجنب الحديث عنه وإثارته، خصوصاً في الشمال وصيدا والبقاع الغربي، حول مصير نحو ألف شاب لا يُعرف عنهم شيء، وسبق لهم أن غُرِّر بهم وأُرسلوا إلى داخل سورية للقتال مع الجماعات التكفيرية، وتشير المعلومات إلى مقتلهم، علماً أن إحصائية غربية كانت قد أشارت قبل عدة أشهر إلى مقتل نحو 830 لبنانياً في سورية، لم يصل من جثثهم سوى نحو 75، معظمهم من الشمال.. ويتوقع أن يحتل هذا الأمر حيزاً واسعاً من اهتمام العائلات التي أخذت تتساءل عن مصير أولادها، وقد تتدحرج ككرة الثلج والتي لا يُعرف أين ستستقر، علماً أن بعض أصحاب "فتاوى الديلفري" من اللبنانيين صار خارج البلاد!

باختصار، هل يبدأ حلف أعداء سورية من لبنانيين وأعراب بمراجعة الحسابات، لاسيما أولئك شعروا بارتفاع المعنويات حينما كان باراك أوباما يهدد بضرب بلاد الأمويين خلال ساعات، لكنهم سرعان ما أُصيبوا بخيبة الأمل، بعد أن تبين لهم أن أوباما لن يقوم بذلك، فكيف إذا تحوّل الآن إلى "بطة عرجاء"، خصوصاً بعد أن بدأ حزب الله وإيران وروسيا، ومعهم أساساً بالطبع سورية، يشكلون محور القوة والتصدي لأي عدوان؟

تابعوا مسلسل مفاوضات النووي الإيراني في حلقات جديدة.

انتبهوا جيداً لنتائج الانتخابات التونسية.

تابعوا حركة دهس الفلسطينيين للمستوطنين.

انظروا جيداً لخيبة الأمل على وجه وزير خارجية فرنسا اليهودي آلان فابيوس، الذي تحوّل إلى الكاثوليكية على أمل أن يكون له حظ كاليهودي المجري نيكولا ساركوزي.

تابعوا جيداً حركة أردوغان؛ خائب الرجاء.. ربما تتضح بعض من الصورة.