لم يستطع الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​، حتى الآن، هضم التقدم الذي حققته قوات "حماية الشعب" الكردية في المقلب السوري من الحدود، لا سيما أنه جاء بعد نجاح حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي بالدخول إلى البرلمان، الأمر الذي أنهى حلمه بالتعديل الدستوري، الذي يحول النظام التركي إلى رئاسي.

أمام هذه التحولات، قرر أردوغان الهروب من أزمة تشكل الحكومة الداخلية إلى المواجهة الخارجية، معلناً إستعداد بلاده لحماية حدودها من أي تطورات قد تحدث من شأنها تقويض التوازن الاقليمي، في إشارة إلى التطورات التي حصلت مؤخراً على صعيد المواجهات بين تنظيم "داعش" والقوات الكردية.

في هذا السياق، لا تستغرب مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، مواقف الرئيس التركي الأخيرة، لا سيما أن لديه مخاوف من تداعيات ولادة كيان كردي على حدوده السورية، الأمر الذي سيدفع أكراد تركيا إلى التفاعل معه والتحرك أيضاً، خصوصاً أن لديهم تاريخاً طويلاً من الصراع مع الدولة الكردية، بالإضافة إلى أن حزب "العمال الكردستاني" التركي وحزب "الإتحاد الديمقراطي" السوري ينتميان إلى مدرسة فكرية واحدة زعيمها عبدالله أوجلان.

وتلفت تلك المصادر إلى أنه قد يكون من المستغرب، بالنسبة إلى الرأي العام الإقليمي والدولي، أن تقوم الحكومة التركية بالإعتراض على هزيمة "داعش" على يد القوات الكردية، لكنها تشدد على أن الإطلاع على الأوضاع الداخلية في أنقرة سوف يساعد في هذا الأمر، فهي خاضت حرباً طويلة مع ​الأكراد​ الأتراك كي لا تعترف بحقوقهم، وكانت مستعدة لإستخدام أي وسيلة للقضاء عليهم، إلا أنها اليوم عادت لتجدهم أقوى من السابق، وتضيف: "اليوم نتائج القيام بأي مغامرة لن تكون محسومة، لا بل قد ينقلب السحر على الساحر".

على هذا الصعيد، تشير المصادر المطلعة إلى أن التجارب التاريخية تكشف أن كل الحروب التي خاضتها تركيا مع الأكراد خرجت منها خاسرة، فحزب "العمال الكردستاني"، بعد ما يقارب 40 سنة من الحرب، بات يمثل نحو 13% من أصوات الناخب التركي، ويعتبر فريقاً أساسياً في الحياة السياسية في البلاد، كذلك الأمر بالنسبة إلى إقليم كردستان العراق، فبعد أن وقفت ضده عشرات السنوات إضطرت في نهاية المطاف إلى بناء علاقات إيجابية معه، وأصبحت المتنفس الوحيد له في العالم الخارجي.

أما بالنسبة إلى إحتمال القيام بحملة ضدهم في سوريا، فتوضح هذه المصادر أن هذه المغامرة ستكون أصعب من كل المواجهات السابقة، خصوصًا أن قوات "حماية الشعب الكردي" تحظى برعاية قوات التحالف الدولي، بزعامة الولايات المتحدة، ولديها علاقات سياسية مميزة مع معظم الدول الغربية، بعد أن كان حزب "العمال الكردستاني" يتصدر لائحة المنظمات الإرهابية في تلك الدول.

بالإضافة إلى هذا الغطاء الدولي، توضح المصادر المطلعة أن الأكراد باتوا يشعرون اليوم أنهم قادرون على تحقيق حلمهم التاريخي، بالرغم من أنهم يتعاملون مع الأوضاع في مختلف الدول التي يتواجدون فيها، بواقعية شديدة، فهم لم يعلنوا رغبتهم بالإنفصال بشكل مباشر، ويصرون على أنهم يريدون الإعتراف بحقوقهم ضمن الحدود المعترف بها حالياً، مع دعوتهم إلى تطبيق النظام الفدرالي أو الإدارات الذاتية، وتشير إلى أن هذا العامل المعنوي أساسي جداً.

في الجانب الكردي، تعلق مصادر مقربة من حزب "الإتحاد الديمقراطي"، عبر "النشرة"، على مواقف أردوغان بالقول: "لا يحسد على ما هو عليه، خصوصاً أن الرجل يعاني من أوجاع كبيرة جداً"، وتضيف: "تعرض الرئيس التركي لهزيمة كبرى في حين كان يخطط للإحتفال بمئوية الجمهورية في العام 2023 كلسلطان"، وتشير إلى أن الأكراد كانوا السبب الرئيسي في إفشال أحلامه، نظراً إلى طريقة تعامله معهم.

وترى هذه المصادر الكردية أن كل الإحتمالات واردة، بالنسبة إلى خيارات الرئيس التركي، بالرغم من إشارتها إلى أن هناك برلمانا لا يتمتع حزب "العدالة والتنمية" بالأغلبية المطلقة فيه، وترى أنّ "كل شيء ممكن، لكن بحال دخوله إلى سوريا وحصول أي إشكال مع الأكراد سيكون هناك حرب شاملة في تركيا"، وتضيف: "لا أحد ينتظر من أكراد أنقرة أن يبقوا صامتين إذا ما رأوا أن رئيسهم يشن حرباً ضدنا دون وجه حق".

بدوره، يحذر قيادي بارز في قوات حماية "الشعب الكردي"، عبر "النشرة"، من سيناريو دخول الأتراك في مواجهة معهم، لكنه يلفت إلى أن الموضوع حتى هذه اللحظات سياسي أكثر مما هو عسكري، ويضيف: "من الناحية العملية لا مصلحة تركية بالدخول إلى المستنقع السوري، خصوصاً أنه لا توجد أي حجة مقنعة"، ويسأل: "داعش لم تثر قلق الحكومة التركية على مدى عامين من تواجدها على حدودها، فكيف يحصل هذا الأمر اليوم مع الوحدات التي تحارب الإرهاب بالتعاون مع المجتمع الدولي؟"

بالنسبة إلى هذا القيادي، فانّ الهدف التركي مما يحصل هو إثارة النعرات القومية بين الأكراد والعرب في سوريا، وتساعده على تحقيقه بعض الجهات في قوى المعارضة المتحالفة مع أنقرة، ويتابع: "نحن لم نأت من المريخ، هذه مناطقنا، واذا كان لدى تركيا مشاكل داخلية عليها معالجتها هناك، ولا علاقة لنا بذلك".

في المحصلة، أصبح الرئيس التركي أمام سيناريوهات متعددة، فالدخول إلى سوريا بغطاء دولي لا يبدو متوفراً حالياً في ظل التحالف الغربي مع الأكراد، أو الدخول منفرداً في مغامرة قد تنقلب عليه من خلال إشعال الأوضاع في الداخل التركي، أو الإعتراف بهزيمة مشروعه، والبقاء عند حدوده يحميها من إحتمال إرتداد الجماعات الإرهابية عليه.