من دون تردد أو مراعاة لمشاعر مئات الآلاف من السوريين الذين كانوا لا زالوا يعوّلون على حل سياسي يجترحه المجتمع الدولي لوضع حد لمأساتهم المستمرة منذ أكثر من 4 سنوات، خرج المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دي ميستورا أمام مجلس الأمن الأربعاء الفائت ليعلن فشله بمهمّته، متحدّثًا عن أنّ ​الأمم المتحدة​ "مجبرة" على إبقاء الملف السوري على الطاولة بالرغم من غياب التوافق بين أطراف الصراع في سوريا على سلوك المسار السياسي للحل.

ستيفان دي ميستورا الذي سبق أن ترأس بعثات للأمم المتحدة في أفغانستان والعراق أقرّ واكثر من مرة أمام من التقاهم بأنّه لم يكن يتوقع أن يكون الملف الذي استلمه أخيرا بهذا التعقيد، ولعل معظم الذين سبقوه الى مهمة اقناع أطراف الصراع السوري باعتماد الحل السياسي، وأبرزهم الأخضر الابراهيمي وكوفي أنان، لم يكونوا ايضًا يتوقعون أن المهمة التي أوكلوا بها ستترك على سيرتهم الذاتية نقطة سوداء لجهة فشلهم بمهمة دبلوماسية كبيرة أوكلت اليهم.

ولعل المبعوث الدولي الحالي الى سوريا لم يصل وبعد أكثر من عام على تعيينه بمنصبه الى قناعة بتقديم استقالته، الا أنّه لا شك اصبح على يقين بأن الحل السياسي لسوريا يبتعد كلما اقتربنا منه مع تحول الميدان السوري الى حلبة صراع أممي وخصوصًا بعد دخول كل اشكال وألوان الجماعات المتطرفة الى المشهد لتزيده تشويهًا وتعقيدًا.

ويُظهر المقترح الاخير الذي تقدم به دي ميستورا لجهة دعوته لانشاء "مجموعات عمل" تبحث بمختلف جوانب الانتقال السياسي وبالتحديد ملف الامن والملف السياسي كما العسكري واعادة الاعمار، ليس الا تفسيرا عمليا لاقراره بأن الامم المتحدة تشعر أنّها مجبرة على الاستمرار بالسعي لحل سياسي لسوريا بالرغم من عدم وجود اسس يقوم عليها هذا الحل لاقتناع كل طرف أن علة الميدان السوري هي بقدرته على الحسم العسكري وخصوصا طرف النظام وحلفائه.

ويتساءل معارضون سوريون عن معنى مجموعات العمل هذه، كيف سيكون شكلها وما هي مهمتها والاهم من سيشارك فيها... كلها اسئلة تدفع هؤلاء للتأكيد على ان ما طرحه دي ميستورا ليس الا محاولة منه لانعاش مهمته التي دخلت في موت سريري منذ فترة طويلة.

ويستغرب هؤلاء كيف أن المبعوث الدولي لم يتطرق في تقريره الأخير للتطورات الكبيرة التي شهدتها المنطقة الشمالية في سوريا بعد دخول تركيا رسميًا في المواجهة تحت شعار مواجهة "داعش" وحماية حدودها. ويقول أحدهم: "بينما نحن ننتظر بين ليلة وضحاها تشكيل المنطقة الآمنة التي سعينا اليها منذ أكثر من 3 سنوات ونصف، يخرج دي ميستورا ليتحدث عن مجموعات عمل، وكأنّه وصل واستلم حديثا الملف السوري".

ولا شك أن عدم حماسة قوى المعارضة السورية للمشاركة في مجموعات العمل هذه، يقابله النظام السوري بلا مبالاة او اكتراث بالدخول في اقتراحات من هذا النوع بهدف المماطلة وتضييع الوقت، وهو واذا كان لا يزال يتجاوب مع طروحات الحل السياسي، فلا شك انّه يقوم بذلك من منطلق دبلوماسي لاقتناعه بأن الحل للأزمة السورية، أقله بشكلها الحالي، لا يمكن أن يكون الا عسكريا.

بالمحصلة، يبدو ان ما أعلنه ومن ثم ما اقترحه دي ميستورا أخيرا في الأمم المتحدة ليس الا دعوة لدق مسمار جديد في نعش الحل السياسي على وقع الدخول التركي المتأخر والمباشر الى اللعبة السوريّة والذي لا تشير المعطيات الى أنّه سيكون عاملا دافعا لحل سلمي بل لمزيد من التأزيم الأمني.