صفات كثيرة اطلقت على لبنان، منها ما يدل على الحضارة والتمدن، ومنها ما يدل على الخطر والقلق والانقسام. ولكن احداً لم يكن يتصور ان يتحول لبنان يوماً الى حامل اسم: دولة تصدير ​النفايات(1).

هذا المصطلح رمادي اللون، فهو ليس ايجابياً بالنسبة الى لبنان، كما انه ليس سلبياً ايضاً. ولكننا في بلد الأرز، اشتهرنا بأننا نحوّل الايجابي الى سلبيّ. من هنا، يحذر اللبنانيون من خيار تصدير النفايات الى الخارج، لعوامل عدة، رغم كل ما قيل ان الكلفة ستكون اقل مما يتم دفعه حالياً لـ"​سوكلين​" (وفق المعلومات تبلغ قيمة معالجة طن النفايات حالياً بين 120 و125 دولاراً، فيما يتراوح مبلغ تصديره الى المانيا بين 70 و100 دولار). اما اسباب هذا القلق والحذر فمشروعة وتعود الى:

1- ان ظهور هذا "الحل السحري" لم يكن وفق ولادة طبيعية، بل اتى بمثابة فرض للحل اذ "غرق" اللبنانيون بأزمة النفايات فجأة، وتحولت خطوط التماس ايام الحرب الى خطوط تماس نفايات، بحيث تم وضع حراس لضمان عدم "تسلل" نفايات من منطقة الى اخرى، فيما المناطق نفسها لا تعلم كيفية التعاطي مع النفايات الصادرة عن اهل هذه المناطق.

2- سرعة التوافق السياسي على هذا الخيار كانت مريبة. فبين ليلة وضحاها، برز هذا الحل وجمع حوله عدداً من المسؤولين من مختلف الانتماءات السياسية والطائفية، في حين كان موجوداً امام الجميع لسنوات طويلة، ولم يكن التحرك سوى للشكوى الكلامية من "سوكلين" التي كان يتم التجديد لها على مر نحو عقدين من الزمن.

ولم يكن حل التصدير عبر دراسات علميّة واقتصادية، او عبر اطلاق مناقصات، او حتى عبر تحضير الناس لمثل هذه الخطوة، بل يكاد التوافق عليه ان يحصل في اقل جهد ممكن.

3- تمّ الحديث عن "شروط" معينة يجب التقيد بها من اجل تصدير النفايات الى دول تعرف كيفية معالجتها والاستفادة منها، ومعلوم ان لبنان لا يعترف بشروط، لانه يشعر انها "تقيده". وبالتالي، يبرز سؤال حول كلفة اضافية يمكن ان تتقاضاها الدولة المعنية من اجل استقبال هذه النفايات كما هي، وقد تصل الامور من حيث لا ندري الى كلفة اكبر من تلك التي تدفعها الدولة حالياً الى "سوكلين".

4- اذا ما تم بالفعل اعتماد حل تصدير النفايات، وارتاح لبنان من هذه المشكلة، كيف ستتمّ معالجة مسألة كنس الطرقات وتنظيفها؟ هل ستبقى "سوكلين" في هذا المجال؟ وكم ستتقاضى مقابل هذه الخدمة؟

5- تحدث وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم عن اعتماد هذا الحل بشكل موقت، ربما لستة اشهر ليرتاح اللبنانيون من المشكلة ليقرروا بعدها الحل النهائي الواجب اعتماده.

ان الحلول الموقتة هي مشكلة بذاتها، وهذا ما اختبره اللبنانيون. فكل من يدخل الى جنة "الموقت" من النافذة، سرعان ما يتنعم بسنوات طويلة من الثبات في مركزه، اكان شخصاً او شركة او وضعاً...

6- سيبقى شبح الصفقات مخيماً حول كل حل سيطرح، فحتى مسألة تصدير النفايات، اذا ما تم اقرارها بالفعل، ستكون تحت الشبهات حول الصفقات التي ستتضمنها ان لناحية الجهة التي ستتكفل بتأمين الشاحنات والعمال لنقل النفايات الى البواخر، او المرافىء المخصصة لهذا الامر، او الشركات الخارجية التي سترسو عليها مهمة نقل النفايات الى الخارج...

لبنان دولة مصدرة للنفايات... هذا آخر ما توصل اليه المسؤولون في هذا البلد، في خضم ازمات ومشاكل لم تعرف حلا منذ اشهر طويلة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: انتخاب رئيس للجمهورية، الافراج عن العسكريين المخطوفين، معالجة ازمة النازحين... فيما النفايات حظيت بالاولوية وبات باب معالجتها شبه مفتوح.

(1)وفق تصنيف المركز الوطني للبحوث القانونية والقضائية التابع لجامعة الدول العربية، فإن المعنى القانوني لمصطلح "دولة تصدير النفايات" هو: الدولة التي فيها طرف يخطّط، أو شرع بالفعل انطلاقاً منها، في نقل نفايات خطرة، أو نفايات أخرى عبر الحدود.