على عكس كل التوقعات السابقة، لم يأت الحراك الدبلوماسي الذي شهدته المنطقة، بعد توقيع الإتفاق النووي الإيراني، بأي جديد على الصعيد اللبناني، بل على العكس من ذلك أكد أن المطلوب الحفاظ على الوضع الحالي بعض الوقت، بانتظار معرفة التوجه الذي ستسلكه الأحداث في ساحات أخرى ملتهبة.

وفي حين كانت المعطيات تشير إلى أن بداية البحث في الحلول ستكون من الملفات "الأسهل"، جاءت الوقائع مختلفة من خلال تصدر الأزمة السورية جدول أعمال القوى الفاعلة على الصعيدين الإقليمي والدولي، من خلال المشاورات السورية السعودية، برعاية روسية، والمشاورات السعودية الأميركية الروسية المشتركة.

في هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن الدبلوماسية الأوروبية، لا سيما الفرنسية، كانت راغبة بأن يكون الملف اللبناني هو نقطة الإنطلاق في المرحلة الجديدة من العلاقات بين الغرب والجمهورية الإسلامية الإيرانية، إنطلاقاً من قناعتها بأن التعقيدات التي تعتريه من الممكن تجاوزها، نظراً إلى عدم جنوح الأفرقاء المحليين نحو التصعيد العنفي، كما هو الحال في البلدان المجاورة، إلا أنها تشير إلى أن جهودها إصطدمت بجدار قوي من الرفض "المقنع"، الناتج عن رغبة الفريقين الأميركي والإيراني بحسم موضوع الإتفاق قبل أي شيء آخر، من خلال ضمان مروره الآمن في القنوات الدستورية والقانونية المحلية في كل منهما.

وتلفت هذه المصادر إلى أن هذا التأخير، الذي قد يمتد ما بين الشهر والنصف والشهرين بالحد الأدنى، وضعت له ضوابط واضحة من خلال تحديد خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، أولها الحفاظ على حكومة تمام سلام الحالية رغم الأزمات التي تعصف بها، وثانيها عدم السماح بخروج الخلافات من إطارها السياسي المعروف نحو صدامات مسلحة، وثالثها الإصرار على إبقاء قنوات التواصل بين الأفرقاء المحليين مفتوحة بانتظار اللحظة المناسبة لتفعيلها، ورابعها رفع مستوى الدعم الذي تحظى به الأجهزة الأمنية، خصوصاً المؤسسة العسكرية، في الفترة المقبلة، باعتبارها الضامنة الوحيدة للإستقرار المحلي.

إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه المصادر أن الأزمات العالقة على الصعيد المحلي مرشحة إلى التصعيد، لا سيما بالنسبة إلى الخلاف على ​التعيينات الأمنية​، وترجح أن يؤدي هذا الأمر إلى دخول حكومة المصلحة الوطنية في عطلة طويلة، من دون أن يعني ذلك إقدام رئيسها على الإستقالة بأي شكل من الأشكال، بالتزامن مع تحركات سيقوم بها "التيار الوطني الحر" على الصعيد الشعبي بهدف تأمين الدعم لمطالبه، التي يُصر حتى الساعة على عدم التنازل عن أي منها.

وتعتبر المصادر نفسها أن الخروج من هذا النفق سيكون مع بداية النصف الثاني من شهر أيلول، الذي من المفترض أن يكون موعد عودة الحراك الدبلوماسي الفاعل بشكل قوي حاملاً معه مقترحات تسوية أو حل، إلا أنها تشير إلى أن هذه المقترحات من غير الممكن أن تتجاهل مطالب رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون بشكل كامل، خصوصاً أن "الجنرال" يمتلك القدرة على قلب الطاولة على الجميع من خلال تحالفه الإستراتيجي مع "حزب الله"، الداعم الأول لـ"الوطني الحر"، والذي يدعو بشكل دائم إلى الحوار معه من أجل الخروج من الواقع الحالي.

وفي الوقت الذي ترجح فيه إرتفاع حظوظ المرشح التوافقي على نحو كبير في المرحلة المقبلة، تؤكد المصادر المطلعة بأن كل الأمور ستبقى متوقفة على مسار المفاوضات القائمة على الصعيد السوري، حيث تشير إلى أنها ستكون مؤشراً مهماً بالنسبة إلى إمكانية نجاح القوتين الروسية والأميركية في الضغط على كافة الأفرقاء الإقليميين من أجل الجنوح نحو الحلول السياسية السلمية، بعيداً عن الصراع المسلح الذي بات يهدد كل دول منطقة الشرق الأوسط بالإنهيار الكامل.

على هذا الصعيد، تشير هذه المصادر إلى أن كل الخيارات تبقى مفتوحة على مصراعيها، مع إمكانية القول بأن الحلول السلمية الممكنة ستكون مطروحة بقوة على طاولة البحث، وتضيف: "الصورة التي ستخرج فيها التسوية الرئاسية ستنسحب بشكل سريع على موقع رئاسة الحكومة المقبلة الذي تتنافس عليه أكثر من شخصية تصنف وسطية"، وتدعو إلى الإنتظار بعض الوقت لمعرفة النتائج العملية لمشاورات المسار السوري من أجل البناء عليها.

في المحصلة، الأيام المقبلة ستكون موضع رصد ومتابعة دقيقين من جانب كافة الأفرقاء، لكن الأكيد أن كل تصعيد محلي سيبقى محدد السقف مسبقاً، إلا بحال حصول تطورات دراماتيكية غير متوقعة تعيد خلط كل الأوراق الدولية والإقليمية.