لا يختلف اثنان أنّ التدخل الروسي في سوريا قلَبَ الطاولة على الجميع، فخرجت الأمور من السيناريو الاميركي المكتوب المتفق عليه، لتَدخل في صراعٍ دوليٍ مكشوف لا يمكن التوقع من خلاله الى ما ستؤول اليه الامور في المنطقة والعالم، خصوصاً اذا ما اتخذَ "الروس" قرار التدخل البري في ​الحرب السورية​، والذي باتَ امراً ضرورياً وملحًّا على موسكو لتنقذ آخر وجودٍ لها على ساحل المتوسط.

منذ سبعة أشهر تقريباً، تمّ الإعلان عن تنظيم "​جيش الفتح​"، الإسم التجميلي لـ"​جبهة النصرة​" وأخواتها بالاضافة الى "الجيش السوري الحر"، المدعوم سعودياً وتركياً وقطرياً، للقيام بالهجوم على محافظة إدلب والسيطرة عليها. وبعد الدعم العسكري التركي، والمالي السعودي، والاستخباري الاميركي، نجح هذا التنظيم بالمهمة، واصبحَ يُعتبر على أنّه "معارضة سورية معتدلة"، وشرعية وجودها أنّها تقاتل النظام و"داعش".

أما على المقلب الآخر، وبعد سقوط إدلب، فقد تم إنشاء غرفة عمليات موحّدة سورية، ايرانية بالاضافة الى "حزب الله". فعمدت هذه القيادة المشتركة الى "التثبيت" في منطقة "جورين-سهل الغاب" في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وريف إدلب الغربي. وبذلك اصبحت هذه المنطقة خط تماس ونقطة لإنطلاق العمليات الحربية التي تكررت في الآونة الاخيرة من قبل "جيش الفتح"، لتُصبح "إدلب" حامية الساحل السوري ونقطة الوصل بعاصمة النظام "دمشق" بيد تركيا والسعودية وحلفائهما سياسياً.

ومن بعدها دخل مصطلح "المنطقة العازلة" في المفاوضات على الحرب السورية كورقة رابحة على اساس تحول إدلب واريافها من حامية الساحل الى الخاصرة الرخوة التي تهدد النظام والدولة السورية ككل. فاعتبرت ​روسيا​ ذلك تهديدا استراتيجياً لها، بحيث ان الساحل السوري هو آخر منفذ لموسكو على البحر المتوسط بعد خسارتها ليبيا و​أوكرانيا​ مؤخراً، وبعد استبعادها من اليمن ايضاً. فانخرطت روسيا بالحرب السورية عملياً، وبدات بالعمليات الجوية على معاقل المسلحين، ناسفة بذلك ورقة المنطقة العازلة في الشمال، وفارضةً بقاء الرئيس ​بشار الأسد​ في المرحلة الانتقالية للحل السياسي كقوة شرعية.

لم يكن صدفة ان تستهدف روسيا اولاً "جيش الفتح"، وعلى خطوط تماس سهل الغاب في ريف اللاذقية، باعتبار ذلك رسالة، مفادها أنّ لا معارضة معتدلة، وأن اي هدف عسكري غير تابع للنظام الشرعي هو هدف لطائرات السوخوي.

وبهذا تكون الحرب على سوريا بدأت بالتحول الى حرب عالمية مفروضة على كل الاطراف. فالموقف الأميركي المرحب اولاً بالتدخل الروسي بدأ بالتغير تدريجيا بعد الخطوات الروسية السريعة، فبعد استهداف "المعارضة المعتدلة" راحت وزارة ​الخارجية الأميركية​ تبدي قلقها تارةً، وتهدد بتاجيج النزاع طوراً، وبدأت ترتسم ملامح حلف غربي عربي بقيادة أميركية، حيث أعلنت الخارجية الأميركية "ان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وقطر والسعورية وتركيا قلقة من التدخل الروسي الذي وعلى ما يبدو انه ذاهب للتصعيد بما في ذلك التدخل البري".

هذا سياسياً.. أما عسكرياً؛ فالقصف الروسي المركز على خطوط تماس "ادلب- اللاذقية" في سهل الغاب وجسر الشغور يعني ان روسيا جاهزة لاخد القرار بالتدخل البري في سوريا، ومعلنةً بذلك ان اول عملية برية بهدف محدد هي، استعادة ادلب. وفي هذا السياق كشفت مصادر مطلعة لـ"النشرة" أنّ "ضباطا روس قد انضموا مؤخراً الى غرفة عمليات جورين"، وان "الهدف من قصف خطوط التماس هو لاضعاف المسلحين واجبارهم على التراجع". وقالت هذه المصادر "إن ريف اللاذقية الشمالي هو اشبه بثكنة عسكرية مشتركة جاهزة لاستعادة ادلب حالما تنكسر خطوط التماس هذه".

وبهذا... ستتجه كُلُّ الانظار الى الشمال، والى "ادلب" تحديداً، حيث ستكون احدى المعارك الاساسية التي سينطلق منها إما الحل السياسي، او الحسم العسكري "العالمي"، لحرب الاستنزاف الدائرة في الشرق الأوسط. فهل سيتغير موقف الحلف الاميركي المتأرجح بين الدعم والقلق والانزعاج عند اول تقدم برّي روسي الى قرار المواجهة، ام ستتوسع طائرات السوخوي بضرباتها لتطال العراق، وبذلك قطع الامداد بين الرقة والموصل، بعد الاعلان الرسمي عن الحلف الروسي الايراني العراقي السوري و"حزب الله" الذي سيتمكن وباولى عملياته العسكرية الخاطفة من استعادة ادلب، مما سيضع المسلحين والدول الاوروبية خصوصاً بين فكّي كماشة الحلف الروسي، ليُسجّل خرقاً في الحلف الاميركي، وبذلك استبعاد الحرب؟