رغم أن الغالبية الساحقة من المواطنين تفاجأت بالمشهد، الذي إنتهت عليه جلسة لجنة الأشغال العامة، بسبب إنفجار الخلاف بين نواب تكتل "التغيير والإصلاح" وزملاء لهم من كتلة "المستقبل"، إلا أن هذا الأمر كان متوقعاً، بسبب المسار الذي كانت الجلسة السابقة سلكته، لا بل أن رئيس اللجنة النائب ​محمد قباني​ كان قد تخوف من الوصول إليه، في تصريح نقل عنه قبل ساعات.

بالنسبة إلى عضو كتلة "المستقبل" النائب ​خضر حبيب​، نواب "الوطني الحر" إفتعلوا الخلاف عند دخول الإعلاميين، حيث "حصل تهجم غير منطقي على رئيس اللجنة"، معرباً عن أسفه لما وصلت إليه الأمور.

ويشدد النائب حبيب، في حديث لـ"النشرة"، على أن ما حصل نابع عن قرار مسبق يقضي بنسف الجلسة، ويعتبر أن تيار "المستقبل" استخدم لتحقيق هذه الغاية لمنع البحث في الأمور التقنية.

من جانبه، لا ينفي عضو تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ​حكمت ديب​، عبر "النشرة"، أن يكون ما حصل اليوم مقصوداً، حيث يشير إلى أن السبب في ذلك أن رئيس اللجنة يتعمد في كل مرة ذهاب الأمور نحو مكان مختلف، فيعكس أجواء ليست صحيحة، في حين المطلوب منه أن يتحدث عن أجواء المدوالات التي تحصل.

ويلفت النائب ديب إلى أن ما حصل في الجلسة الأخيرة هو أن زميله قباني نقل عن وزير المالية ​علي حسن خليل​ كلاماً غير دقيق، يتحدث فيه عن أن الأخير قال إن "من المفترض أن نكون في السجن فيما لو كانت هناك عدالة"، بينما خليل كان يطلب عدم لومه على موقفه، من الأمور التقنية، لأن هناك قوانين في البلاد يجب إحترامها.

وفي حين يؤكد حبيب أن النقاش سيستكمل لاحقاً من حيث توقف، ويوضح أن كل المخالفات التي يجري الحديث عنها، من دير عمار الثاني إلى الذوق والجية، تعود إلى عهد الوزير ​جبران باسيل​ لا وزير الطاقة والمياه الحالي أرتور نظاريان، يشدد ديب على أن ما يطالب به التكتل هو أن تكون الجلسات علنيّة كي لا يتم تحريف المداولات، ويلفت إلى أن النظام الداخلي يؤكد سريّتها إلا في حال طلبت اللجنة العكس، ويضيف: "أنا كنت أطالب بأن تكون علنية".

ما هي الخلافات التقنية؟

بالنسبة إلى مصادر نيابية في كتلة "المستقبل"، البحث في حقيقة ما حصل يتطلب العودة إلى جلسة لجنة الأشغال العامة السابقة، التي جاءت تتويجاً لجلسات أخرى كانت تبحث تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء في البلاد، وتشير إلى أن أحد أهم أسباب هذه الأزمة هو عدم إحترام القوانين.

وتشير المصادر نفسها، عبر "النشرة"، إلى أن القانون رقم 181، الذي صدر بناء على طلب وزير الطاقة والمياه السابق جبران باسيل، في العام 2011، رصد مبلغ 1200 مليون دولار من أجل تنفيذ خطة لمعالجة أزمة الكهرباء، وضع شروطاً للحصول على الأموال، لم ينفذ أيٌ منها، لا سيما ما هو متعلق بتعيين مجلس إدارة جديد للكهرباء، خلال شهرين من صدور القانون، وتعيين هيئة ناظمة خلال ثلاثة أشهر، إلا أنها توضح أن ما كان موضوعاً على بساط البحث في الجلسة "الجرصة"، هو أمر مختلف متعلق بمشروع تركيب المولدات العكسية في معملي الذوق والجية، ناهيك عن الشبهات التي تدور حول تلزيم معمل دير عمار 2، الذي رسا في المرحلة الأولى على شركة كانت الكلفة التي تطلبها مرتفعة، ما اضطر مجلس الوزراء إلى إتخاذ قرار بالتفاوض معها، لكن التفاوض فشل وذهب الموضوع إلى التلزيم الثاني الذي رسا على شركة يونانية، لتظهر بعد ذلك خلافات حول موضوع من يدفع الضريبة على القيمة المضافة.

من هنا، تلفت هذه المصادر إلى أن الجلسة كان من المفترض أن تستكمل النقاش في موضوع معملي الجية والذوق، بعد الخلاف الذي دار في الجلسة الأخيرة ، بين كل من تكتل "التغيير والإصلاح" ووزارة المالية، حيث تكمن المشكلة برفض وزارة الطاقة عرض العقد المعدّل على ​ديوان المحاسبة​، بالرغم من صدور قرار واضح عن مجلس الوزراء في هذا الملفّ، بناءً على قرار وزارة المال نفسها نقله إلى الحكومة، مع العلم أن قرار المالية جاء أيضاً بسبب رفض الطاقة عرض العقد المعدّل على ديوان المحاسبة.

وتوضح هذه المصادر أن وزارة الطاقة تعتبر أن الامر لا يستدعي عرض العقد المعدل على ديوان المحاسبة، في حين أنّ قرار مجلس الوزراء دعا المالية لدفع المستحقات، بعد أن كان المتعهد قد هدّد بمقاضاة الدولة، وطلب من الطاقة حل المشكلة مع ديوان المحاسبة.

من وجهة نظر مصادر في تكتل "التغيير والإصلاح"، لا يحق لوزارة المالية التوقف عن الدفع، حتى لو كان هناك تعديل في العقد، لأن هناك إتفاقية موقعة مع الدنمارك يجب أن تُنفَّذ، وتشير إلى أن ليس هناك تعديل بل كان هناك تهديد بتحمّل أعباء إضافية نتيجة التوقف عن الدفع.

وتنفي المصادر الإتهامات التي تحدث فيها بعض نواب كتلة "المستقبل" عن وجود فساد في هذه القضية، وتوضح أن ما يتحدثون عنه هو الغرامة التي كان يهدد المتعهد بها، لكن هذا الأمر لم يعد موجوداً بعد عودة وزارة المالية إلى الدفع بناء على قرار من مجلس الوزراء.

أما عن موضوع الخلاف مع ديوان المحاسبة، الذي كان حاضراً في الجلسة "الجرصة"، فتشدد المصادر على أن ليس هناك ما يستدعي العرض على الديوان، خصوصاً أن التعديلات ليست جوهرية، وبالتالي المشكلة ليست موجودة لكي يتم إختراعها.

في المحصلة، كان المشهد "الجرصة" كفيلاً بكشف المزيد من خفايا هذا الملف، الذي يتهم كل فريق فيه الآخر بالفساد وسرقة المال العام، من دون أن يصل التيار الكهربائي إلى منازل المواطنين أو تحل المشكلة الحقيقية.