تتواصل المعارك بضراوة في سوريا حيث تحدّث مسؤولو نظام الرئيس ​بشار الأسد​ عن إستعادة عشرات الكيلومترات المُربّعة، بينما تحدّثت المُعارضة السورية عن إرتكابها "مجزرة" بالدبابات والمدرعات والآليّات المُهاجمة، مُستخدمة صواريخ مُتطوّرة مُضادة للدروع ومنها صاروخ Tow الأميركي الصنع. فما الذي يحصل حقيقة، وكيف يُنتظر أن تنتهي هذه المعركة؟

بسرعة قياسيّة أعطت السلطات الروسية "الضوء الأخضر" للتدخّل العسكري في سوريا، وما هي سوى ساعات حتى بدأت الغارات الجويّة، قبل أن تنضمّ البوارج الحربيّة إلى المعركة، لينطلق بعد ذلك هُجوم برّي واسع في سهل الغاب وفي ريف حماه(1)تُنفّذه وحدات كبيرة من ​الجيش السوري​، مدعومة بقوى حليفة عدّة، في ظلّ غطاء ناري روسي عنيف من الجوّ والبحر. وعلى الرغم من أنّ المحلّلين الغربيّين أجمعوا على أنّ حجم القوّات الروسية المُتواجدة في ​روسيا​ حالياً لا يسمح بقلب موازين القوى رأساً على عقب على كامل مساحة الأراضي السورية، إلا أنّه قادر في المقابل على تحقيق نتائج إستراتيجيّة مُهمّة في الصراع في مواقع جغرافيّة مُحدّدة. ويُمكن في هذا الصدد العودة بالذاكرة إلى تدخّل مُقاتلي "حزب الله" إلى جانب الجيش السوري في السنوات الماضية، والذي أسفر عن تحقيق نتائج مهمّة في معارك موضعيّة مُحدّدة، منها على سبيل المثال في القصير ويبرود والقلمون، إضافة طبعاً إلى تأمين الجزء الأكبر من الحدود اللبنانيّة-السورية، الأمر الذي أراح كثيراً "ظهر" الجيش السوري.

وبحسب المعلومات المتوفّرة فإنّ الهدف من الهجوم الجديد الذي يُنفّذه النظام السوري بدعم من حلفائه الكُثر، والذي أضيف إليهم، الدعم الروسي القادر على تأمين غطاء جوّي ساحق وقوّة ناريّة مُدمّرة، يتمثّل بإستعادة المناطق الحدوديّة التي يتمّ تهريب السلاح والمُقاتلين عبرها. ومن هذا المُنطلق إنّ الغارات الروسيّة والقصف الصاروخي الذي يتمّ تنفيذه ليس مُرتبطاً بطبيعة الفصائل المُسلّحة المُستهدفة، بل بالمنطقة الجغرافية المَنوي إستعادتها. ولمّا كانت الخطّة الموضوعة تقضي بإستعادة السيطرة على الحدود، وعلى المناطق المحيطة بها بطبيعة الحال، بدءاً من ساحل اللاذقيّة إمتداداً في خط تصاعدي يصل في نهايته إلى ضفاف نهر الفرات على الحدود مع العراق، فإنّ الغارات والهجمات الصاروخيّة التي نفّذتها القوّات الروسيّة في الأيّام القليلة الماضية إستهدفت كل القوى الموجودة في المساحة الجغرافية المعنيّة، أكانت تنتمي إلى تنظيم "داعش" أو "​جبهة النصرة​" أو "​جيش الفتح​" أو "​أحرار الشام​"، أو أيّ فصيل آخر. والفوارق الأبرز بين الغارات التي كان يُنفّذها الطيران السوري، وتلك التي يُنفّذها الطيران الروسي حالياً، يتمثّل في دقّة الإصابات المُحقّقة، وخُصوصاً في القدرة على إختراق الدفاعات والتحصينات، إضافة طبعاً إلى القوّة التدميريّة الكبيرة للصواريخ المُستخدمة.

في المُقابل، وأمام سرعة ودقّة وفعاليّة الهجوم الإستراتيجي القائم حالياً، والذي يهدف بداية إلى فصل ريف إدلب الجنوبي عن ريف حماه الشمالي، قبل الإنقضاض نحو الحدود التركية لتأمينها، لجأت المُعارضة إلى تطبيق مبدأ القتال التراجعي الإستنزافي، حيث أنّها أخلت كل مواقعها الثابتة المُعرّضة للقصف في أيّ لحظة، ووزّعت مُقاتليها على مجموعات صغيرة مُزوّدة بصواريخ مُضادة للدروع بمدى يصل إلى نحو أربعة كيلومترات. وهي ترمي بذلك إلى إيقاع أكبر قدر ممكن من الإصابات في صفوف المُهاجمين، وبالتالي تأخير تقدّم القوى المُهاجمة قدر المُستطاع، وذلك لهدفين أساسيّين:

الهدف الأوّل تكتيّ ويقضي بإنتظار وُصول المزيد من الصواريخ المُوجّهة بأشعّة اللايزر والقادرة على تدمير الآليات المُدرّعة، على إختلاف أنواعها.

الهدف الثاني إستراتيجي ويقضي بحصول تحوّل في المواقف العربيّة والتركيّة والغربيّة، لجهة رفع وتيرة الضغوط لوقف الهجمات الروسيّة، أو على الأقل لتوفير دعم أكبر لمواجهتها ميدانياً.

في الختام، يُمكن القول إنّه كلّما كانت نتائج الهجوم الضخم الذي يُنفّذه الجيش السوري وحلفاؤه بدعم ناري من روسيا سريعة وحاسمة، كلّما سيتمكّن النظام السوري من تحقيق الأهداف المرسومة والقاضية بإستعادة المناطق الحدودية تدريجاً. والعكس صحيح أيضاً، بحيث أنّه كلّما كان الهجوم بطيئاً ومن دون نتائج ساحقة، فإنّ الدعم المُنتظر لفصائل "المعارضات" السورية سيكبر، وسيجعل سوريا تعيش فصلاً جديداً طويل الأمد من القتل والدمار.

(1)تركّزت الهجمات خصوصاً على كل من سهل الغاب وقرى وبلدات اللطامنة والصياد ولطمين وكفر زيتا وكفرنبوذة والمغير وتلّ الصخر وتل عثمان والهبيط ومورك، إلخ.