ليس ما أعده رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ لرئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ مختلفًا كثيرًا عمّا أعدّه قبل أكثر من عام لرئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون، حين وعده بدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية وبتعبيد طريق بعبدا أمامه بعد اقناع المملكة العربية السعودية بجدوى ومنافع وصوله الى سدة الرئاسة. حينها كان اللبنانيون يترقبون بين ساعة وأخرى خروج أحدهم للحديث عن اتفاق كبير بين مختلف الفرقاء على انتخاب عون رئيسا. حتى حاول الكثيرون وقتها من معارضي عون الشرسين التأقلم مع الوقائع الجديدة وخاصة بعدما قرر الحريري الشاب الاحتفال بعيد الجنرال الثمانيني في قصره في وسط بيروت، ما بدا تتويجا للاتفاق. بعدها مرت الايام والاشهر ليتبين أن كل الوعود الوردية التي أغدقها الحريري على عون لم تكن جدية او لم يكن قادرا على الالتزام بها في ظل الفيتو السعودي المستمر على رئاسة عون.

اليوم يكرر الحريري التجربة مع رئيس تيار "المردة"، بعد جهود حثيثة بذلها الثنائي رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب ​وليد جنبلاط​ لاتمام اللقاء الباريسي الذي لم يكن الا فخا كبيرا تم نصبه لفرنجية للايقاع بينه وبين عون بعد دغدغة طموحاته الرئاسية. الا ان الزعيم الشمالي الشاب نجح باكتشاف الكمين وباحباطه حتى ولو أحبط ذلك آمالا كبيرة بناها خلال الرحلة من بيروت الى باريس.

وفي هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة أن الحريري حاول خلال لقائه فرنجية اقناعه باعلان ترشيحه للرئاسة متخطيًا ترشيح عون، واعدًا اياه بأنّه سيوفر له دعم معظم فريق "14 آذار" لضمان انتخابه كما مباركة الثنائي جنبلاط – بري. وتقول المصادر: "الا ان فرنجية تقصد عدم اعطاء جواب لا سلبا ولا ايجابا على طلب الحريري لدراسة خلفيات هذا العرض، مدى جديته كما الامكانيات المتاحة لتحققه".

ولن يُقدم فرنجية وعلى الرغم من اقتناعه بعدم جدية الحريري بأي ردة فعل غير محسوبة تجاهه، لا بل هو سيحاول تعزيز قناة التواصل مع رئيس "المستقبل" باعتبار ان ما هو غير متاح أو ممكن اليوم قد يصبح سهل التحقق خلال أشهر نتيجة التطورات المتسارعة في الميدان السوري.

وتشير المصادر الى ان التزام "حزب الله" الصمت المطبق بالتعامل مع ترشيح فرنجية للرئاسة مرده أنّه يعي تماما عدم جدية "المستقبل" ومن خلفه السعودية بدعم زعيم بنشعي الشاب، وهو الصديق المقرب للرئيس السوري بشار الأسد والذي لم يخجل يوما بالتشديد على متانة هذه العلاقة لا بل ذهب أكثر من ذلك بعد اندلاع الأزمة في سوريا بالتأكيد على أنّه "أخ بالامس واليوم وبعد مئة سنة وفي كل الظروف".

ولا تجد المصادر أي مبرر لقرار سعودي – حريري، وبعد أكثر من سنة ونصف على الفراغ الرئاسي واحتدام الصراع في الميدان السوري أكثر من أي وقت مضى، يؤدي لانقلاب جذري على مواقفهما وعلى خطهما السياسي ككل بترشيح الشخص الأقرب للأسد في لبنان للرئاسة الأولى بما قد يُعتبر اقرارا بانتصار المحور الخصم وتنازلا غير مسبوق له.

وتلفت هذه المصادر الى ان الهدف الرئيسي لهذه اللعبة التي يمسك بخيوطها الثنائي جنبلاط – بري، هو اولا احراق ورقة فرنجية بعدما أتقنا احراق ورقة عون، ومن ثم فك تحالف عون – فرنجية ما قد يؤدي بعدها لتفكك تكتل عون تلقائيا مع امكانية انسحاب الطاشناق منه ونواب الوزير طلال ارسلان، ما يعني "تحجيم" عون من خلال خفض تمثيله النيابي من 24 نائبا الى حوالي 17.

بالمحصلة، وفي جردة حساب سريعة لمستجدات الساعات القليلة الماضية، يتبين وبعكس ما أشيع عن ارتفاع أسهم فرنجية للرئاسة بأنّه قد حان وقت الانقضاض عليه لاحراقه بعدما تم احراق أوراق باقي المرشحين للرئاسة، وتعبيد الطريق للمرشح الذي عاد يتصدر المشهد دون منافس، الوزير السابق ​جان عبيد​.