عندما يعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة انطاليا G20 أنّ أكثر من 40 دولة تدعم الارهاب، وأنّ هناك دولاً مشاركة في مؤتمر انطاليا تدعم الارهاب، فهذا يعني أنّ الرئيس الروسي بوتين بالطبع كان يقصد تركيا ومن يتحالف معها.

لنتوقف قليلاً عند ما قاله الرئيس الروسي عقب حادثة اسقاط الطائرة الروسية حسب التالي:

- إسقاط الطائرة الروسية هو ضربة بالظهر وجاءت من قبل المتعاونين مع الارهاب.

- الطائرة الروسية لم تخترق الأجواء التركية، ولم تكن تهدّد الأمن التركي بأيّ شكلٍ من الأشكال.

- إنّ إسقاط الطائرة الروسية سيكون له عواقب وخيمة على العلاقات التركية الروسية.

- لن نتسامح مع تركيا في ما حصل.

- إنّ "داعش" والإرهاب محميٌ من قبل دول داعمةٍ له، وهذا ما يدفع "داعش" للتصرّف بوحشيّة.

- صبرنا بدأ ينفد من أردوغان وعصابته المجرمة المتورطة في كلّ اعتداءات "داعش" الإرهابية.

- الإنتقام هو الرد الذي سيتلقاه الديكتاتور التركي.

- سعينا إلى حل سياسي للأزمة السورية ولكنّ أطرافاً دوليين يريدون إشعال الحرب ومنهم تركيا.

- دعوت الأميركيين إلى تكميم الديكتاتور المسعور في تركيا.

ما قاله الرئيس الروسي يقودنا للاستنتاج بأنّ العلاقات الدولية بعد حادث إسقاط الطائرة لن تكون كما كانت قبل الحادث.

ممّا لا شكّ فيه أنّ العلاقات الروسية التركية بلغت نقطة اللاعودة، أقلّه في المدى المتوسط.

روسيا​ غيرت من قواعد الاشتباك السياسي والعسكري وبشكل جذري ليس مع تركيا فقط بل مع المحور العربي المتحالف مع تركيا ومع اي محور غربي داعم للموقف التركي.

روسيا، وبعد إسقاط الطائرة الروسية من طراز سوخوي 24 عمدًا من قبل تركيا، وخصوصًا بعد ما أدلى به الطيار الذي نجا من حادثة الاسقاط بأنّه لم يسمع أو يلحظ أيّ تحذير أثناء القيادة، وبعد مقتل واحدٍ من طاقمها، أصبحت في حلٍ من أيّ تفاهماتٍ أو التزاماتٍ مع الدولة المعتدية، أي تركيا وحلفائها.

المُلاحَظ أنّ عملية إسقاط الطائرة الروسية جاءت نتيجة لعمل تركي، أي أنّ الفاعل معلوم، لكنّ السؤال الذي يُطرَح هنا، هل اتخذت تركيا قرار إسقاط الطائرة الروسية منفردة، أم أنّ العملية تستند إلى قرارٍ أكبر من تركيا، وقد تُرِك تنفيذ العملية لتركيا؟

بحسب الناطق باسم الكرملين الروسي دميتري بيسكوف، فإنّ واشنطن أعطت الضوء الاخضر لاسقاط الطائره الروسية.

استنتاجًا ممّا تقدّم، نصل إلى الجزم أنّ القرار لم يكن قرارًا تركيًا صرفًا، لكنّ تركيا اختيرت لتكون الفاعل.

إذًا، أميركا قامت بتوريط الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه مع روسيا، كما فعلت أميركا نفسها مع المملكة العربية السعودية حين قامت بتوريطها في حرب اليمن.

ما حقّقته الضربات الروسية على معاقل "داعش" وأخواتها بالتأكيد كشف إلى حدّ بعيدٍ زيف ادعاء حلفاء تركيا، ولا سيما أميركا والسعودية وقطر، في محاربة الإرهاب، وأضعف موقف تلك الدول السياسي، وحتى تأثيرها العسكري في أيّ تسويةٍ سياسيةٍ يمكن أن تبصر النور في المدى المتوسّط أو البعيد.

ولعلّ ما شجّع الرئيس التركي رجب أردوغان لتنفيذ قرار إسقاط الطائرة الروسية هو قيام روسيا بقطع مورد الرزق الأساسي لأردوغان شخصيًا وعائلته عبر ضرب منابع النفط وصهاريج النفط المسروق من سوريا ليُباع في تركيا، فيستفيد أردوغان ومعاونوه من الذهب المسروق، دافعًا ثمن الذهب الاسود السوري المنهوب إلى تنظيم "داعش"، ليقوم هذا التنظيم بدوره بتغذية الارهاب في العالم.

من يتابع السياسة الروسية بدقّة يعلم أنّ روسيا لن تصدّ الأبواب أمام أيّ تسويةٍ سياسيةٍ ممكنةٍ، لكنّ ما حصل مع تركيا وما تقدّم يقودنا إلى عكس ذلك، ليصبح الحديث عن أيّ تسويةٍ سياسيةٍ للأزمة السورية في الوقت الحالي مجرّد عملية ملء الفراغ.

الرئيس التركي رجب أردوغان طلب من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند التوسّط لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. جاء ذلك خلال مكالمةٍ هاتفية بين أردوغان وهولاند، طلب فيها الأول من الثاني نقل وجهة النظر التركية، وربما الاعتذار للرئيس الروسي عن حادثة إسقاط الطائرة الروسية.

وفي معلوماتٍ خاصة، فإنّ الخارجية الروسية أبلغت الجانب الفرنسي رفضها قبول أيّ اعتذار أو سماع أيّ وجهة نظر تركية حول موضوع إسقاط الطائرة التركية.

البعض يعتقد أنّ روسيا لا بدّ أنّها ستردّ بقوة، وأنّ حربًا عسكريّة بين البلدين متوقعٌ نشوبُها.

لكن، وبكلّ تواضع، نعتقد أنّ الردّ الروسيّ لن يكون بشنّ حربٍ عسكريةٍ روسيةٍ على تركيا.

إنّ أولى خطوات الرد الروسي ستكون الاقتصاص من تركيا اقتصاديًا نظرًا للتبادل الاقتصادي الضخم بين البلدين، ممّا يؤثر وبشكلٍ جدّي بإضعاف اقتصاد تركيا.

أما من الناحية العسكرية، فإنّ روسيا نشرت منظومة صواريخ اس 400 الحديثة لتغطّي كامل الشمال السوري، ما يقود إلى القضاء على الحلم التركي بانشاء منطقةٍ عازلةٍ في الشمال السوري تمتد من جرابلس حتى شواطئ البحر المتوسط، وتصبح الكلمة الفصل لروسيا التي لن تسمح يقيام مثل تلك المنطقة.

وبالتالي، فإنّ الردّ الروسيّ على الحماقة التركية سيكون عبر الأراضي السورية وتحريرها من حلب إلى درعا.

المظلة الروسية والمروحة الروسية من المنظار الاستراتيجي أصبحت أكثر اتساعًا على كافة الصعد، منها العسكري والسياسي وحتى الاقتصادي، لمواجهة عملية الطعن التي تعرضت لها من قبل تركيا.

مسؤول روسي رفيع المستوى، وفي جلسةٍ خاصة، قال أنّ بلاده قامت بمسايرة السعودية ولم تستخدم حق النقض (الفيتو) في حربها على اليمن من أجل الحفاظ على علاقات متوازنةٍ معها ومع حلفائها، وعلى رأسهم تركيا، إنما بعد سقوط السوخوي الروسية لن يكون كما كان قبله.

وما أضافه المسؤول الروسي المذكور هو أنّ أردوغان حاضن الارهاب يأتي ويذهب لكن تركيا باقية، وهذا الامر ينسحب على حلفاء أردوغان في المنطقة، وتابع: "نملك من السبل ما يضمن لنا بلوغ الهدف".

منطق الأمور يقودنا إلى مزيدٍ من التعقيد والتصعيد، وإلى أنّ أيّ تسويةٍ سياسيةٍ للأزمة السورية لن تبصر النور في المدى المتوسط، ليبقى الكلام الفصل للميدان العسكري...