يوماً بعد آخر، تكشف التطورات داخل قوى الرابع عشر من آذار خفايا الصراع القائم على "الزعامة" على أكثر من صعيد، وصولاً إلى بيت تيار "المستقبل" الداخلي، بعد الأزمة المستجدة بين رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ ووزير العدل ​أشرف ريفي​، حيث جاء رد "الشيخ" بمثابة الرسالة الشديدة اللهجة، مفادها هو "أنا الزعيم الأول"، وبالتالي لا يمكن أن يزايد عليه أحد من "الحلفاء" في المواقف، مهما كانت الملفات المطروحة على بساط البحث، سواء كانت سياسية أم أمنية أم قضائية.

من وجهة نظر الكثيرين، كان الحريري قاسياً في ردّه على ريفي بالأمس، عبر القول أن موقفه على طاولة مجلس الوزراء لا يمثله، بعد سلسلة طويلة من المواقف المتناقضة، التي دفعت بأركان "المستقبل" إلى التأكيد مراراً أن "اللواء" حليف لا عضو في التيار، أي أن مواقفه لا تعبر عنه إلا بقدر ما تلتقي مع الموقف الرسمي، الذي يعبر عنه "الشيخ" وبيانات الكتلة النيابية الرسمية، لكن في حقيقة الأمر المعركة في مكان آخر، لا يقبل فيه رئيس الحكومة السابق تجاوزه فيها، فهو "المرجعية" التي تحسم في نهاية المطاف.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الحريري حدّد في الفترة الأخيرة مجموعة من الأهداف الرئيسية في مستقبله السياسي، تأتي على رأسها العودة إلى البلاد عبر بوابة رئاسة الحكومة، كونها تسمح له بأن يكون قادراً على تلبية المطالب الشعبية المتزايدة وتؤمن له الحصانة التي يحتاجها، وتلفت إلى أن "الشيخ" يدرك أن ذلك لا يمكن أن يكون إلا من خلال تسوية سياسية من العيار الثقيل، عمل على بلورتها عبر طرح تبني ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ إلى رئاسة الجمهورية، لكنه إصطدم بالموقف المتصلب من حليفه "الإستراتيجي" رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، الذي رد بضربة من العيار الثقيل عبر تبني ترشيح رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، ما يرفضه الحريري على إعتبار أن مشروع "الجنرال" لا يتناسب مع بنود إتفاق الطائف، التي تحصر الصلاحيات التنفيذية برئاسة الحكومة، لكن ما لم يتوقعه ربما هو أن تفتح بوجهه معارك أخرى في الوقت نفسه.

وتوضح المصادر نفسها أن رئيس الحكومة السابق يدرك جيداً أن هناك، من ضمن بيته الداخلي، من يسعى إلى وراثة زعامته السياسية، عبر إستغلال غيابه عن الساحة اللبنانية، حيث باتت شهيّة العديد من الشخصيات البارزة في "المستقبل" أو المقربّة منه، مفتوحة للدخول إلى نادي رؤساء الحكومة، في حين هو لا يقبل أن يكون هذا الأمر إلا عبره وبالتنسيق معه، وتلفت إلى أن وزير العدل هو واحد من الشخصيات التي تسعى إلى بناء زعامة خاصة بها، عبر رفع السقف عالياً في المواقف، وتضيف: "من أجل ذلك كانت دعوة الحريري إلى عدم المزايدة عليه في إعلانه البراءة من موقف ريفي، لا سيما أنه يعارض مقاطعة جلسات مجلس الوزراء".

وفي حين توضح المصادر نفسها أن كل التوجهات المقبلة لهذا الخلاف لم تتضح بعد، تشدد على أن وزير العدل الحالي ليس النائب ​خالد الضاهر​، بل هو قادر على النجاح في بناء زعامة خاصة به بعيداً عن تيار "المستقبل"، على الأقل في مدينته طرابلس، وتؤكد بأن الحيثيّة التي يتمتع بها هناك أكبر من تلك التي لدى الحريري، وتلفت إلى أن هناك فئات واسعة تعاطفت معه، في موقفه الأخير من قضية إحالة ملف الوزير السابق ميشال سماحة إلى المجلس العدلي، نظراً إلى ما تشكله القضية في وجدان جمهور قوى الرابع عشر من آذار، إلا أن المعضلة الأساس تكمن بأن الحريري لا يريد إسقاط الحكومة الحالية، نظراً إلى النتائج التي قد تترتب على ذلك، والتي لن يكون أقلها دخول البلاد في مرحلة الفراغ الشامل، في ظل الشغور في موقع الرئاسة الأولى، ما قد يفرض عليه في المستقبل تقديم المزيد من التنازلات لدى البحث بأي تسوية.

في المحصلة، يسعى الحريري اليوم إلى لملمة بيته الداخلي، قبل بدء مرحلة التسويات السياسية في المستقبل، لكن العقبات في طريقه كبيرة جداً، حتى ولو نجح في معالجة ما وقع من خلافات مع الحلفاء والأصدقاء، واليوم يمكن القول أن ريفي فاز في المواجهة على المستوى الشعبي.