توحي كل المعطيات والمعلومات الواردة من العاصمة السعودية الرياض أن رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ لن يعلن في ذكرى اغتيال والده رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​ تبني ترشيح رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ بشكل رسمي لرئاسة الجمهورية. فما انتظره طويلا الزعيم الزغرتاوي لن يتحقق قريبا، حتى أنّه لم يعد يسعى اليه اليوم كما كان بالأمس لاقتناعه بأنّه لن يصب لمصلحته في معركته الرئاسية باعتبار أن الحريري وفي حال خرج ليعلن استمراره بخوض المواجهة بفرنجية، انما يضعه وجها لوجه مع "حزب الله" وهو ما سيُحرِق ورقته تلقائيًا.

وبغضّ النظر عمّا يطمح اليه فرنجية ويتمنّاه، الا أنّ الحماسة الحريرية لورقته تلاشت مع مرور الأيام، ودخول أكثر من معطى جديد على الخط يجعل التلويح مجددا بها دون جدوى بعدما أدّى مفاعيله في وقت سابق. فالصدام الذي راهن عليه الحريري داخل "​8 آذار​" حصل، واحراج "حزب الله" تمّ أيضًا، وقد نجح هذا الفريق بالخروج بحد أدنى من الخسائر من عملية محكمة دبّرها تيار "المستقبل" وحلفاؤه الاقليميون والمحليّون. ولعل المواقف الحازمة التي اعلنها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في اطلالته الأخيرة كفيلة بجعل الزعيم السني الشاب يضع ترشيح فرنجية خلفه، ولو في المرحلة الراهنة، ليبدأ بالبحث عن مخارج أخرى من دون استبعاد خيار السير بترشيح رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون.

وبحسب مصادر مطلعة على الملف الرئاسي، فانّه وبالتزامن مع تقدّم ترشيح عون الى مراحل لم يسبق أن وصلها طوال العامين الماضيين، عاد الحديث بجدية وخاصة في الأروقة الغربية بأسماء مرشحين توافقيين يتم وضعهم على طاولة المفاوضات حين يحين موعد التسوية الاقليمية، فاذا لم يكن عون مناسبًا للتسوية التي ستطرح بوقتها، تكون الدوائر الغربية المعنيّة قد جهّزت البدائل المناسبة.

وفي هذا السياق، تقول المصادر أن هذه الدوائر ومن ضمنها الفاتيكان وفرنسا يسوّقان مؤخرًا اسمي الوزير السابق ​جان عبيد​ والعميد المتقاعد ​جورج خوري​ للرئاسة، علما أن أسهم الأول تبقى متقدمة وبأشواط عن الثاني نظرا الى أنّه مقرب الى مختلف الفرقاء في الداخل وقادر بخبراته الدبلوماسية المتقدمة على نسج شبكة تواصل داخلية-اقليمية-دولية لا تستثني أحدا. أما خوري المرشح الدائم ل​بكركي​ التي واظبت على تسويق اسمه منذ أيار 2014، فلا تبدو حظوظه مرتفعة بالرغم من كل الجهود التي يبذلها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي داخليا وخارجيا.

ويبدو أن الحريري سيلاقي هذه المستجدات في خطابه المرتقب بحيث سيلتزم بالتهدئة بعيدا عن اللغة التصعيدية، وهو ما رجّحته المصادر، لافتة الى أنّه "سيحاول مدّ الجسور وفي الاتجاهات كافة، خصوصًا في ظل المعلومات التي تقول أن زيارة وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ الى الرابية كان ظاهرها البحث بالتعيينات بقوى الامن الداخلي، أما باطنها فتفعيل قنوات التواصل الرئاسية، باعتبار ان الحريري بات مقتنعا ان سيره بترشيح العماد عون لم يعد مستحيلا في ظل المتغيرات الكبيرة الحاصلة في المنطقة ولذلك يرى أنّه من المجدي التفاوض مع العماد عون مرشح "حزب الله"، وبالتالي الأقدر حاليًا على لعب دور الوسيط الفاعل وهو ما لم يكن متاحا لفرنجية".

بالمحصلة، قد يكون من المفيد تلقّف الرسائل المتعددة الاتجاهات التي سيبعثها الحريري الأحد لتبيان المسار الذي سيسلكه الملف الرئاسي في الأسابيع المقبلة، خصوصًا وأن الأشهر الثلاثة المقبلة ستفتح أفقاً جديدًا في المنطقة قد يحمل سلّة من الحلول تشمل الرئاسة اللبنانية بالتزامن مع خطة جديّة لوقف اطلاق النار في سوريا.