يوم الأحد 8 أيّار المُقبل، ستنطلق إنتخابات محافظات ​بيروت​ والبقاع وبعلبك الهرمل، لتكرّ بعدها سبحة الإنتخابات البلديّة والإختياريّة في كل لبنان على مدى كامل آحاد شهر أيّار(1). وبالتالي كيف هي الأجواء عشيّة الجولة الأولى من هذه الإنتخابات، ولمن تميل كفّتا الربح والخسارة، بحسب التقديرات والتحليلات والإستفتاءات السريعة؟

في بيروت المعركة أخذت شكل مُنازلة بين السُلطة و"المُجتمع المدني"، على الرغم من أنّ هذا التوصيف ليس دقيقًا، باعتبار أنّ "لائحة البيارتة" برئاسة المهندس جمال عيتاني والتي أعلنت من "بيت الوسط" برعاية النائب سعد الحريري وحضوره، تضمّ ممثّلين عن حزب "القوّات اللبنانية" الذي هو خارج السُلطة منذ سنوات، وعن "التيّار الوطني الحُر" الذي هو من المُعارضين على أداء السلطة الحاكمة، الأمر الذي أسفر عن تعرّض "التيّار" لحملة إعلاميّة لتحوّله من لائحة "نائب رئيس حركة الشعب" إبراهيم الحلبي والوزير السابق شربل نحّاس في العام 2004، ومن مقاطعة "لائحة السلطة" في العام 2010، إلى اللائحة التي يرأسها المدير العام لشركة "سوليدير" في العام 2016، وبحصّة محدودة. وعلى الرغم من أنّ المُدافعين عن "لائحة البيارتة" وَصفوها بأنّها لائحة التوافق السياسي الواسع ولائحة المُناصفة بين المُسلمين والمسيحيّين في عاصمة لبنان، تواصلت الإنتقادات بشأن مُبرّر توحّد أغلبيّة القوى السياسيّة اللبنانية المُتناقضة الأهداف والبرامج حول لائحة واحدة جامعة. في المُقابل، إنّ وضع هيئات وشخصيّات ما يُسمّى "​المجتمع المدني​" ليس أفضل حالاً، بسبب سُقوط هذه الهيئات والشخصيّات في أوّل إستحقاق ديمقراطي! وفي هذا السياق، فشلت هيئات وشخصيّات "المُجتمع المدني" في التوحّد ضمن لائحة واحدة قادرة على مُواجهة "لائحة البيارتة"، وهم توزّعوا على لوائح كاملة وأخرى غير مكتملة، بسبب الفشل في تحقيق توافق على المقاعد الأربعة والعشرين التي تُشكّل مجلس بلديّة بيروت. وفي هذا السياق، على الناخب المُعارض للقوى السياسية اللبنانيّة المعروفة، الإختيار ما بين لوائح "بيروت مدينتي" (تميّزت بتوزيع مقاعدها مناصفة بين النساء والرجال)، و"مواطنون ومواطنات في دولة"، و"صمود بيروت"، و"البيروتي"، ولائحة "حركة الشعب"، إلخ(2). ومن المُلاحظ أنّ تشتّت أصوات المُؤيّدين للحركات الشبابيّة ولقوى المُعارضة، وعدم إتفاقهم على لائحة موحّدة، لبل تراشقهم إعلاميًا، سيؤدّي بطبيعة الحال إلى أن تكون هيئات وشخصيّات "المُجتمع المدني" في طليعة الخاسرين في إنتخابات الأحد المُقبل، حيث طغى سوء التنسيق والمصالح الشخصيّة وحبّ الظهور، على مبادئ التغيير، في تكرار لما حصل خلال التظاهرات الشعبيّة التي كانت نُظّمت بوجه السلطة، قبل أن تختفي بسحر ساحر، بعد أنّ عمّت الخلافات بين مُنظّميها. والأنظار تتجه إلى حجم الأصوات التي ستنالها "لائحة البيارتة" لمعرفة التأييد الشعبي للقوى الحزبيّة الأساسيّة في العاصمة.

في البقاع، المعركة الأبرز والتي ستحظى بالتغطية الإعلاميّة الأوسع هي معركة مدينة زحلة، حيث يرغب أكثر من طرف بالفوز في إنتخابات "عروسة البقاع"، مع التذكير أنّ خسارة قوى "8 آذار السابقة" قضاء زحلة بنوّابه السبعة، كان جعل قوى "14 آذار السابقة" تفوز بأغلبيّة 71 نائبًا في إنتخابات العام 2009 النيابيّة، وقد قيل الكثير في حينه عن تأثير الناخب السنّي والذي تقدّم على تأثير الناخب الشيعي في هذه المعركة. واليوم، صحيح أنّ المُواجهة هي على مُستوى مدينة زحلة فقط، وليس على مُستوى كامل القضاء، لكنّ المُفارقة أنّ أغلبيّة أصوات الناخبين السُنّة (نحو 4000 صوت) والشيعة (نحو 6000 صوت) ستصبّ كما هو مُتداول إلى جانب لائحة "زحلة الأمانة" التي أعلنتها رئيسة "الكتلة الشعبيّة" مريم سكاف، إضافة إلى لائحة "زحلة تستحق" برئاسة موسى فتوش شقيق الوزير السابق نقولا فتوش الذي كانت علاقته قد ساءت مع كثير من القوى السياسيّة الزحلاويّة، وذلك بوجه لائحة "إنماء زحلة" التي يرأسها المهندس أسعد زغيب. وبالتالي، ستكون أصوات عدد كبير من مؤيّدي "تيّار المُستقبل" و"حزب الله" جنبًا إلى جنب، خلف اللائحة المدعومة من سكاف وحتى اللائحة المدعومة من فتوش، علمًا أنّ "حزب الله" سيدعم فقط مُرشّحي "التيار الوطني الحُر" من لائحة زغيب، وسيوزّع أصوات مناصريه بين لائحتي سكاف وفتوش، ما سيجعل المُرشّحين "القوّاتيّين" في طليعة المتضرّرين من هذا التموضع. في المُقابل توحّدت أصوات كل من مُؤيّدي "القوات اللبنانيّة" و"التيار الوطني الحُر" و"الكتائب اللبنانيّة" خلف لائحة زغيب. وفي الوقت الذي ترغب "القوّات" بأن تُثبت حُضورها الحاسم في زحلة، يرغب "التيّار" بإظهار قدرته على التجييش، وترغب "الكتائب" في تأكيد شعبيّتها في المدينة أيضًا، بينما تلعب "الكتلة الشعبيّة" على وتر قرار المدينة المُستقلّ بوجه القرار الخارجي، مُستفيدة من رصيد الوزير الراحل إيلي سكاف الخدماتي الكبير، ومن دعم "المُستقبل" للائحتها إنتقامًا من قرار "القوات" بدعم "الجنرال" للرئاسة، ومن دعم "الحزب" للائحتها في موقف رافض لأيّ تحالف مع "القوّات" حتى من قبل حليفه البُرتقالي، علمًا أنّ دعم "المُستقبل" و"الحزب" للائحة سكاف هو من تحت الطاولة حتى الساعة، لأنّ أيّ موقف علني بهذا الصدد لم يصدر عنهما بعد. ولمواجهة هذا التحالف، تُشدّد الأحزاب المسيحيّة على أنّها بمواجهة مصالح إقطاعيّة ضيّقة لا تزال تعيش عهد "الباكاوات"، وبمواجهة هجمة ترمي إلى منع القوى الحزبيّة الفاعلة من إسترداد حُقوق الطائفة المسيحيّة.

في بعلبك الهرمل، كان لافتًا الإعلان عن فوز العديد من المجالس البلديّة والإختياريّة بالتزكيّة بفعل "محدلة" تحالف كل من "حزب الله" و"حركة أمل"، لكن اللافت أيضًا خروج أصوات عدّة مُعترضة هذه المرّة، علمًا أنّه جرى تشكيل مجموعة من اللوائح البلديّة من خارج هذا التحالف. وقد لجأ المُرشّحون بمواجهة لوائح "الحزب-أمل" إلى تأكيد تمسّكهم بخيار المقاومة سياسيًا، بالتزامن مع إعلان رفضهم لما وصفوه الفشل الإنمائي للوائح تحالف "الحزب – أمل" في بعلبك الهرمل(3). وشدّد بعض المُرشّحين على ضرورة النهوض بالمنطقة إنمائيًا وإقتصاديًا وسياحيًا، وإعادة "مدينة الشمس" إلى سابق عهدها. وعلى الرغم من ضعف آمال هذه اللوائح بتحقيق خروقات كبيرة، فإنّ العُيون شاخصة على نسب التأييد التي ستنالها، والتي ستعكس بدون أدنى شك حجم التململ الشعبي من إمساك "الحزب – أمل" للملفّ الإنمائي البلدي.

في الختام، أيّام قليلة تفصلنا عن أوّل دورة من الإنتخابات البلديّة والإختياريّة، والتي تجري بعد خلط كبير للأوراق السياسيّة، وفي ظلّ تداخل كبير للمصالح الحزبيّة والعائليّة. ولكل نتيجة مُحقّقة عبرة وخلاصة... وللبحث تتمّة.

(1) إنتخابات محافظة جبل لبنان تقام في 15 أيّار، وإنتخابات محافظات لبنان الجنوبي تقام في 22 أيّار، وإنتخابات لبنان الشمالي وعكار في 29 أيّار.

(2) توزّعت الشخصيّات المُنتقدة للسلطة على لوائح عدّة، حيث نجد شخصيّات مدعومة من الوزير السابق شربل نحّاس في لائحة، وأخرى مدعومة من المُنسّق العام لحزب النجادة عدنان الحكيم، وثالثة مدعومة من حركة "الشعب"، ورابعة تضمّ شخصيّات فنّية وناشطين ومن بينهم الفنان أحمد قعبور والمخرجة نادين لبكي.

(3) أبرزها لائحة "بعلبك مدينتي" التي شكّلها رئيس بلديّة بعلبك السابق المُحامي غالب ياغي.