عوّدنا رئيس تيّار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ قبل عودته الى لبنان ان نسمع مواقفه من السعودية او من فرنسا، وهو قضى فيهما في الآونة الاخيرة فترة اطول بكثير مما قضاه في لبنان. ولكن، منذ عودته الى ربوع الوطن، قلّت زياراته الى هذين البلدين، واختار ان يزور بلداناً اخرى لاستطلاع الآراء واستمزاج الافكار علّ الصورة تتضح بشكل اكبر.

ومنذ ايام قليلة، كانت زيارة للحريري الى تركيا، بقيت مبهمة الاسباب والنتائج، ولعلّه يمكن القول ان رئيس كتلة المستقبل ارتكب في اختياره وجهته هذه، اخطاء كثيرة ابرزها ثلاثة:

1-من ناحية التوقيت: تزامنت الزيارة الى تركيا مع ذكرى المجازر الأرمنية، التي لا تزال تحفر عميقاً في ذاكرة الأرمن في كل دول العالم، وخصوصاً في لبنان. ولم تكد اخبار المظاهرات واللقاءات التي نظمها الأرمن تخف وتيرتها، حتى برز توجّه الحريري الى تركيا. كان من الممكن طبعاً تأجيل الزيارة بعض الوقت، فلا شيء يدعو الى الاستعجال لاتمامها، ان من الناحية الاقتصادية او السياسية او الامنية. ولو كان للحريري منصب رسمي (كرئيس حكومة حالي مثلاً)، كان يمكن "الشك" لبعض الوقت انه يعمل على وساطة ما بين تركيا وروسيا التي زارها قبل فترة وعرض مع المسؤولين فيها اوضاع المنطقة ولبنان.

وماذا كان سيحصل لو تأخرت الزيارة اسابيع قليلة؟ اقله بعد مرور فترة كافية على ذكرى المجازر بحق الأرمن، واجراء الانتخابات البلدية التي بات يفصلنا عن حصولها ايام معدودة.

2-من ناحية المضمون: ما الذي استفاد منه رئيس تيّار "المستقبل" في تركيا؟ على صعيد الرئاسة اعلن بنفسه انه لم يتطرق الى هذا الموضوع، وهو أمر لا يمكن تصديقه بطبيعة الحال لأنّ مصادره سرّبت انه بحث الموضوع الرئاسي وكان الراي متفقاً على وجوب العمل على ملء الفراغ الذي طال، اي ان الموضوع كان على طاولة البحث. اما على صعيد الوضع في سوريا والمنطقة وتأثيرهما على لبنان، فمن البديهي القول ان تركيا لن تستطيع ان تقدم ما لم تقدمه روسيا في هذا الاطار، او حتى الولايات المتحدة، فالنفوذ التركي انحسر بعض الشيء ولم يعد بالاهمية التي كان عليها قبل التدخل في الحرب السورية، وكانت انقرة تمنن النفس بأنها ستكون الدولة البديلة عن السعودية في المستقبل كمرجع اقليمي للسنّة في مقابل المرجعية الايرانية للشيعة، ولكن هذا الامر يبدو اليوم اصعب من اي وقت مضى.

اما على صعيد النازحين، فليس لتركيا ما تطمئن لبنان في شأنهم، اذ انها تستغّل كل قرش وكل مورد من أجل مصالحها في هذا المجال ولن تعمد الى تقديم اي مساعدة "كرمى لعيون احد".

وفي ما خص المسألة الأمنية والعسكرية، فإن أنقرة ليست في وارد تقديم مساعدات للجيش والقوى الامنية، لانها خارج هذه المسالة ولن يكون بمقدورها منافسة الولايات المتحدة ولن تعمد الى اغضاب السعودية من ناحية ثانية.

3-زيارة رئيس الحكومة التركي الى لبنان: ظهر الاعلان عن زيارة مرتقبة لاحمد داود اوغلو الى لبنان وكانها ثمرة نجاح مساع بذلها الحريري في هذا السياق. والحقيقة انها لن تقدم ولن تؤخر، وستكون نتائجها اقل من الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى بيروت واكتفى خلالها ببعض المواقف والتقاط بعض الصور.

فما الذي سيفعله اوغلو في لبنان، وبالتحديد في ظل التوتر الناشىء مع شريحة من اللبنانيين والذي يضاف الى مقاطعة الأرمن له؟ وماذا سيقدم من حلول عندما تكون قوّتان كبيرتان (الولايات المتحدة وروسيا) يقسمان مصير المنطقة في ما بينهما، وليس هناك من دور تركي في هذا المجال.

كان الحريري في غنى عن ارتكاب مثل هذه الاخطاء في هذا الوقت بالذات، فما (او من) الذي دفعه الى ارتكابها وهل الهدف استهدافه سياسياً؟