على مدى الأيام الأخيرة، كان الجميع يتوقع أن تكون الإنتخابات البلدية معركة تحديد أحجام في ​مدينة طرابلس​، نظراً إلى رغبة وزير العدل المستقيل ​أشرف ريفي​ في تثبيت وزنه السياسي، في مواجهة رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ أولاً، ومن ثم باقي القوى والشخصيات في العاصمة الثانية، لكن حساب الصندوق لم يكن شبيهاً لحساب الماكينات الإنتخابية، ليكتسح "ترامب العرب" العاصمة الثانية من دون منازع، في رسالة مدوّية وجهتها الفيحاء إلى كل من يعنيهم الأمر.

في الصورة العامّة، حضر المرشح "الجمهوري" إلى الرئاسة الأميركية الملياردير المثير للجدل ​دونالد ترامب​ سريعاً، الذي نجح في كسب القسم الأكبر من أصوات حزبه في السباق إلى البيت الأبيض، معتمداً على الشعارات الشعبويّة، الأمر نفسه كرره ريفي قبل أيام من الإستحقاق البلدي، فهو كان يحارب، عبر تيار "المستقبل" ورئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ والنائب ​محمد الصفدي​ والوزير السابق ​فيصل كرامي​، كلاً من الرئيس السوري بشار الأسد و"حزب الله"، وينقذ طرابلس من "الإحتلال" الجديد، بسبب وجود عضو على اللائحة المنافسة ينتمي إلى جمعية "المشاريع"، الأمر الذي لعب دوراً أساسياً في جذب الناخب نحوه، خصوصاً أن الواقع في المدينة معروف.

منذ ساعات الصباح الأولى، إجتاح "اللواء" مواقع التواصل الإجتماعي، بعنوان "تسونامي_طرابلس"، حيث كانت النتائج الأولية تظهر إمكانية خرقه اللائحة الإئتلافية، لكن مع تقدم الوقت أصبحت المعادلة مختلفة، وزير العدل المستقيل ينتظر الإنتهاء من عملية الفرز لمعرفة حجم الخرق الذي قد تتعرض له لائحته، على وقع صور الإحتفالات التي تنقل مباشرة من منزله.

لم يتوقف الأمر عند "تسونامي_طرابلس"، ريفي بات هو "الزعيم السني الأول" على مستوى لبنان، هكذا علق أنصاره بعد أن نجح في هزيمة رئيسي حكومة سابقين، بالإضافة إلى مرشحين آخرين، في معركة واحدة، من دون أن ينفق الأموال الطائلة، فهو إنتصر وحيداً على ما أطلق عليها إسم "لائحة 6 مليار دولار"، في إشارة إلى الثروات المالية الهائلة التي يملكها داعمو "لطرابلس"، في حين كان من الواضح أن فوز "اللواء"، الذي وصف بـ"ترامب العرب"، يدغدغ مشاعر فئة واسعة من المواطنين تريد الإرتكاز إلى عامل قوة، فهو يمثل "المواجهة" في مقابل "التسويات"، بعد أن جرى التعميم على مدى السنوات السابقة أن الطائفة السنية في لبنان مغبونة.

بالتزامن، سعى البعض من جمهور "المستقبل" إلى التخفيف من هول الصدمة عليه، معتبراً أن ريفي أنقذ زعامة الحريري في طرابلس، في حين أن ميقاتي هو الخاسر الأكبر، خصوصاً أن الأخير كان ينتظر نتائج الإنتخابات صندوقاً صندوقاً، بعد أن صور بأنه الراعي الرسمي للائحة الإئتلافية، وقد برز على هذا الصعيد التذكير بشريط فيديو من احدى مقابلات الحريري يتحدث فيه عن "اللواء" بعد إستقالته من حكومة تمام سلام، قائلاً: "أشرف ريفي ما يتخلى عنا ولا نحن منتخلى عنه"، كما أنه يؤكد دائماً الإنتماء إلى نهج رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري.

وفي حين كان البعض الآخر يشدد على أن "وحدة الصف لا تكون بالتحالف مع من غدر وخان ودعم قوى الثامن من آذار"، كان جمهور قوى 8 آذار منقسماً، بين "شامت" بما حصل مع الحريري، و"متخوّف" من صعود نجم "اللواء" في العاصمة الثانية، محذّراً من تحوله إلى "طرابلستان"، في إشارة إلى عودة الأجواء التي كانت سائدة سابقاً، حيث شهدت العاصمة الثانية أكثر من 20 جولة عنف على محاور قتالها التقليدية، كان ريفي يتهم فيها بأنه زعيم "قادة المحاور".

على صعيد متّصل، وجّهت بشكل لافت إتهامات إلى الحزب "العربي الديمقراطي"، من قبل أنصار ريفي، تحدثت عن دعمه لائحة القوى والشخصيات السياسية في المدينة، إلا أن الأبرز في محصلة المعركة الإنتخابية في عاصمة الشمال هو وقوف القسم الأكبر من جمهور حزب "القوات اللبنانية" مع وزير العدل المستقيل، حيث وصف من قبلهم بـ"الشريف" و"البطل" و"الشريك"، و"شُبِّه" برئيس الحزب سمير جعجع، في مؤشر واضح على توسع بقعة الإمتعاض لدى هذا الجمهور من الحريري، بسبب الخلاف على الملف الرئاسي، ومن ثم تراجع مستوى العلاقة بين الجانبين.

في المحصّلة، نجح أشرف ريفي في إثبات أنه الرقم الأصعب في طرابلس، القادر على هزيمة كل القوى والشخصيات السياسية التاريخية فيها وحيداً، لكن ماذا عن التداعيات، وكيف ستقرأ هذه النتيجة على المستوى اللبناني العام، وبالتحديد على مستوى الزعامة داخل الساحة السنية؟