في الوقت الذي لا يزال فيه الكثيرون ينتظرون خلاصة المراجعة، التي سيقوم بها رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، بعد النتائج التي أفرزتها الإنتخابات البلدية الأخيرة، يبدو أن تيار "المستقبل" ذاهب إلى المزيد من "الغرق" في أزماته الداخلية، خصوصاً بعد أن تبيّن أن المملكة العربية السعودية غير مهتمة في إنتشاله منها، لا سيما على الصعيد المالي حيث الأنباء عن تحركات موظفي شركة "سعودي أوجيه" تتصدر وسائل الإعلام.

على مدى الأيام الأخيرة، خرج الحريري بعددٍ من المواقف، التي فُسرت بأنها تصعيدية ضد "حزب الله"، الهدف منها لملمة الأوضاع داخل بيته السياسي، لكنها لم تساهم في معالجة الواقع القائم، الذي زادت عليه معضلة القطاع المصرفي، بعد التفجير الذي إستهدف بنك "لبنان والمهجر" في فردان، بالإضافة إلى خروج حزب "الكتائب" من الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام، إعتراضاً على طريقة التعامل مع الملاحظات التي يقدمها وزيرا الحزب على طاولة مجلس الوزراء.

من هذا المنطلق، تعتبر أوساط متابعة، عبر "النشرة"، أن السقف العالي في المواقف، الذي ذهب إليه "الشيخ" خلال سلسلة الإفطارات الرمضانية، لم يقدّم أو يؤخّر، فهو لا يستطيع أن يهاجم "حزب الله" في العلن، ويستمر في الحوار الثنائي معه في عين التينة، كما أن إعلانه تحمل المسؤولية عما حصل، في المرحلة السابقة، من دون القيام بأي خطوة عملية أمر لا يمكن تفسيره، وتسأل: "ماذا قدم الحريري غير المواقف التي لا يبنى عليها، في حين أن المطلوب منه الذهاب إلى أفعال ترد على الرسالة الإعتراضية التي وجهت له من قبل جمهوره؟"

بالنسبة إلى هذه الأوساط، لا يملك زعيم "المستقبل" الكثير من الأوراق القادر على تحريكها في الوقت الراهن، نظراً إلى أن كل الملفات العالقة بانتظار جلاء الصورة التي ستكون عليها منطقة الشرق الأوسط، لكنها تشير إلى أن الحريري "أغرق" نفسه من خلال الخطوات المتسرعة التي قام بها، حيث كان يعتقد أنها قادرة على تحريك عجلة بعض الإستحقاقات الضاغطة، خصوصاً الإنتخابات الرئاسية، فهو ذهب أولاً إلى الحوار مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، من دون أن يصل إلى نتيجة بسبب الموقف السعودي من تبني ترشيح "الجنرال"، ومن ثم قرر دعم رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​، من دون أن يضمن توافق باقي الأفرقاء عليه.

وتعتبر الأوساط نفسها أن "الشيخ" عالق عند هذه النقطة، فهو لا يستطيع التخلي عن فرنجية، بعد أن خسر أغلب حلفائه المسيحيين، كما أن تبنيه خيار المرشح التوافقي لن يحل المشكلة، بعد أن أصبح العماد عون مدعوماً من قوى الثامن من آذار وحزب "​القوات اللبنانية​" معاً، في حين هو لا يملك القدرة على إعلان قبوله برئيس تكتل "التغيير والإصلاح"، نظراً إلى أن ذلك ستكون تداعياته أكبر عليه، لا سيما أن هناك من ينتظر أي "دعسة" ناقصة منه، للإنقضاض عليه، فالحريري لم يعد اللاعب الوحيد على الساحة السنية، بل هناك من ينافسه على الزعامة، وأبرزهم وزير العدل المُستقيل ​أشرف ريفي​.

في هذا السياق، ليس هناك من هو راغب في إنقاذ رئيس الحكومة السابق، لا قوى الثامن من آذار متحمّسة، على قاعدة أنه مستمر بالهجوم عليها، كما أن منافسيه لا يستطيعون الخروج عن العباءة السعودية، وبالتالي من الأفضل إنتظار ما ستقرره الرياض على الساحة اللبنانية، للتفاهم على أساسه، ولا الأخيرة راغبة في أخذ موقف واضح، حيث تحصر خطوطها العريضة بالعمل على تأمين وحدة الصف فقط، التي تطلب حكماً دعم قوى وشخصيات أخرى راغبة في إضعاف "المستقبل".

في المقابل، لا يزال ريفي، الذي بات يعتبر التهديد الأول لزعامة الحريري، مستمراً في مساعي حصد المزيد من النجاحات، حيث تشير الأوساط المتابعة إلى المواقف التصعيدية التي ينتهجها هو أيضاً، لكنها تبدو منطقية أكثر من تلك التي يعلنها "المستقبل"، في حين يظهر تجاوب جمهور التيار معه في مناطق أخرى، قريبة وبعيدة عن مدينة طرابلس، لا سيما مع رفعه شعار الحفاظ على إرث رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وتلفت إلى إستقباله قبل أيام وفداً يضم 30 رئيس بلدية من محافظة عكار، بالإضافة إلى إعلانه الرغبة في خوض الإستحقاق البلدي مع شباب تغييريين لا مع الطبقة السياسية البالية، ما يؤكد تراجع خيار عودته إلى البيت "المستقبلي" في الوقت الحالي.

في المحصلة، يبدو الحريري بلا أفق واضح في الخطاب السياسي، في حين ينجح ريفي في تقديم نفسه عبر خطاب واضح يتناغم مع الجمهور، لكن هل يستطيع "اللواء" تنفيذ إنقلاب كامل على زعامة "الشيخ"؟