في الصورة العامة، هناك تحالف قوي بين كل من جبهة "النصرة" وحركة "​أحرار الشام​"، يعود إلى إشتراكهما في غرف عمليات عسكرية واحدة، لكن في الوقت نفسه هناك مجموعة من الخلافات التي تكبر يوماً بعد آخر، تنطلق من التناقض الواضح في الرؤية التي لدى كل منهما لسوريا المستقبل، لا سيما في ظل توجه الجبهة السرّي نحو إعلان إمارة في إدلب، حيث تسيطر على مختلف جوانب الحياة في هذه المنطقة، في حين تبرز الحركة كأبرز المعارضين لهذا التوجه.

في الفترة السابقة، كانت أغلب المعطيات تشير إلى إستبعاد تجاوب "النصرة" مع دعوة أمير تنظيم "القاعدة" لها لإعلان الإمارة، نظراً إلى التداعيات الخطيرة التي قد تنجم عن هذه الخطوة، لا سيما على صعيد موقف الدول الإقليمية الداعمة لها بصورة غير مباشرة، تحت عنوان تقديم المساعدات إلى ما يسمى "​جيش الفتح​"، بالإضافة إلى كسر الحماية التي تتمتع بها لناحية عدم إستهداف مواقعها التي تتداخل مع تلك التي لدى فصائل المعارضة التي تصنف "معتدلة".

وفي حين تبرز إلى الواجهة عمليات الإغتيال التي تتعرض لها قيادات الحركة، في ظروف غامضة، لا يمكن تجاهل الخلاف الذي لم يعد خفياً بين جناحيها: السياسي الراغب بلعب دور في المفاوضات التي تجري برعاية دولية وإقليمية بين الحين والآخر، والعسكري الذي يدور في فلك "القاعدة" التي ترفض الدخول في أي مسار تفاوضي، وهو ما ظهر بشكل واضح عبر الموقف الملتبس الذي رافق مؤتمر المعارضة السورية، الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض، في حين كان أمير "النصرة" ​أبو محمد الجولاني​ أبرز من شن هجوماً قاسياً على المشاركين في هذا المؤتمر.

في شهر تموز من العام 2014، أصدرت "النصرة" بياناً نفت فيه الأنباء التي تم تداولها عن إعلان "إمارة الشام الإسلامية"، لكنها لم تنف أن يكون هذا مشروعها الأساسي، بل على العكس من ذلك، مؤكدة أن هدفها، من أول يوم أسست فيه، هو "إعادة سلطان الله إلى أرضه وتحكيم شريعته"، وكاشفة عن السعي "لإقامة إمارة إسلامية وفق السُنن الشرعية المعتبرة".

بعد أقل من عام، أي في الشهر الرابع من العام 2015، عاد زعيم الجبهة إلى التأكيد أنها لا تنوي إقامة إمارة إسلامية في إدلب، داعياً جميع الفصائل المشاركة في تحريرها إلى تشكيل حكم مشترك للمدينة عن طريق الشورى، إلا أن "النصرة" في أدبياتها تشدد على رفضها أن يقطف أي أحد "ثمار الجهاد ويقيم مشاريع علمانية أو غيرها من المشاريع التي تقام على دماء وتضحيات المجاهدين".

اليوم، أي بعد توجيه أمير "القاعدة" الدعوة إلى الجبهة لإعلان الإمارة، تطرح العديد من علامات الإستفهام حول مصيرها، في ظل الحملة القائمة على معاقل تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، حيث يعتبر البعض أنها قد تتحول إلى ملجأ لمعظم عناصر التنظيم الذين ينجون من المعارك الدائرة على أكثر من جبهة، في حين هي تعمل على الحصول على بيعات من فصائل أخرى أصغر حجماً منها، لكن أغلبها يمكن وصفه بـ"المتشدد"، لا سيما بعد رفضها الدخول في أي مواجهة مع "داعش"، ومنها: "جيش المهاجرين والأنصار"، "جيش محمد"، في حين هناك معلومات عن مفاوضات قائمة مع جماعات أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، كان لافتاً إعلان الحركة، يوم أمس، عن إنضمام "​جيش الشام​" إلى صفوفها، في خطوة قيل أنها تأتي في سبيل "لم الشمل"، مع العلم أن هذا "الجيش" كان قد تأسس، في تشرين الأول من العام الماضي، بقيادة محمد طلال بازرباشي، القيادي والعضو المؤسس في "أحرار الشام" سابقاً، إلى جانب القيادي السابق في صفوف الحركة أيضاً، يامن الناصر، ورفع شعار "الثورة على الطغاة والغلاة"، وكان الحديث عند التأسيس بأن الأسباب هي رفض التطرف والرغبة بالإبتعاد عن "القاعدة".

ما تقدم يقود إلى إحتمال تحضير كل من الجبهة والحركة إلى المواجهة المنتظرة بينهما، وهنا يمكن العودة إلى ما قاله مسؤول العلاقات الخارجية في "أحرار الشام" لبيب نحاس، قبل أشهر، عن العلاقة مع "النصرة"، حيث أكد أنها "كالعلاقة مع أيّ فصيل يحارب النظام، ولكن مشروعنا يختلف كلياً عن مشروعهم ورؤيتهم لمستقبل سوريا"، معرباً عن قلقه من سلوك الجبهة في الفترة الأخيرة، في مؤشر إلى الخلافات العقائدية بين الجانبين، وإثبات أن التحالف بينهما هو على القتال معاً في مواجهة الأعداء لا أكثر، لكن عندما تظهر المشاريع المتناقضة على أرض الواقع، سوف تنفجر الخلافات التي قد لا تنجح القوى الإقليمية الداعمة لهما في لجمها.

في المحصلة، تسارع الأحداث سيقود الجبهة إلى إحتمالات محدودة: إعلان الإمارة وفك الإرتباط عن "القاعدة" معاً، إعلان الإمارة مع بقاء الإرتباط، إستمرار الواقع على ما هو عليه، إلا أن نسبة حصول أي منها متساوية، مع ترجيح الإحتمال الأخير في الوقت الراهن، من دون إستبعاد أي مفاجأة في حال حصول تطورات دراماتيكية في المشهد السوري، خصوصاً على صعيد المواجهات في "داعش".