لم تمرّ مسألة سحب السلطات ​البحرين​ية الجنسية من رجل الدين الشيعي قاسم عيسى، مرور الكرام، بل ترافقت مع حملة اعلامية وسياسية لم تنته منذ اتخاذ القرار الشهير. واللافت ان ردود الفعل القلقة والرافضة بدبلوماسية للقرار لم تقتصر على ايران بل تعدتها الى الدول الغربية وحتى الامم المتحدة ولجنة حقوق الانسان، حيث اعربوا جميعهم عن القلق من التداعيات ومن تأثيره السلبي على حرية التعبير.

في المنطق، لم تكن الذريعة التي اوردتها السلطات البحرينية كافية لخطوة سحب الجنسية، خصوصاً وانه لم يخضع لمحاكمة مثلاً، ولم يتم ابراز وثائق وادلّة حول سعيه الى قلب النظام واقامة نظام آخر موال لايران كما تم اتهامه.

في الواقع، اتى القرار البحريني لاراحة النظام من "حمل ثقيل" شكله الشيخ عيسى من خلال حملته المتواصلة والمنددة بالاجراءات الحكومية على الصعيدين السياسي والاجتماعي، ولكن هل سترتاح السلطة في البحرين بعد هذا الاجراء؟ النظرة الاولى تشير الى العكس، فالتهديدات الصادرة عن ايران من امكان تحول المسألة الى مواجهة دموية في البحرين وحصول مشاكل في المنطقة، كافية لاثارة القلق والحذر. ولكن هذا الواقع ليس الوحيد الذي يجب ان يدفع المملكة للتفكير ملياً بما سيتبع خطوتها، بل التحركات الشعبية التي بدأت تظهر منذ اليوم الاول للاعلان عن القرار حيث اعتصم عدد من الناس امام منزل الشيخ عيسى دعماً له، اضافة الى اتصالات حثيثة تقوم بها المعارضة البحرينية لإسماع صوتها بصورة اعلى واقوى في الفترة المقبلة.

ولكن الاخطر هو الا تكسب البحرين رهانها بأن تقطع "حقل الالغام" الشيعي بنجاح، على غرار ما فعلته السعودية حين اعدمت رجل الدين الشيعي ​نمر النمر​، ما اثار سخطاً شيعياً كبيراً في حينه ولكنه لم يحدث "زلزالا" كما توقع الكثيرون، اذ بقيت الامور مضبوطة الى حد ما ولم تشهد السعودية قلاقل او اضطرابات، لا بل سلكت طريق التفاوض مع الحوثيين في اليمن، وتراجعت خطواتها العسكرية والتي تزامنت ايضاً مع تراجع ملحوظ لقوّتها الدبلوماسية.

ولكن الرهان البحريني يتضمن بعض المخاطر اولها ان مكانتها الخليجية ليست في قدر مكانة السعودية، وقيمتها الدينية بالنسبة الى الدول العربية تختلف بشكل جذري عن جارتها التي تتضمن اراضيها "المدينة المنوّرة". اضافة الى ذلك، لا يتمتع الحضور البحريني الخارجي بالهالة الدولية المطلوبة، على عكس الكويت وسلطنة عمان وحتى قطر مثلاً، والتطورات التي تشهدها اراضيها لا تعني الدول الغربية الا في ما خص زعزعة الامن والاستقرار، من هنا يمكن فهم عدم القلق الدولي من موضوع "درع الجزيرة" الذي نفض عنه الغبار عام 2011 على الاراضي البحرينية. لذلك، فإنه من الاسهل زعزعة الاستقرار والامن في البحرين من السعودية وغيرها من الدول، اذا ما اتخذ القرار على هذا الصعيد، حيث ستزيد مشاكل هذه المملكة الحديثة وتضاف الى المشاكل السياسية والمالية والامنية التي تعيشها في الاصل.

اما الرهان الايجابي للبحرين، فيعتمد بشكل خاص على مرور مسألة اعدام الشيخ النمر بأقل قدر ممكن من المشاكل، وعلى عدم استعداد الغرب للتضيحة بالاستقرار الذي تشهده المنطقة لمثل هذه الاحداث، خصوصاً وان اسقاط الجنسية ليس كخطوة الاعدام. كما ترى البحرين ان التفاهمات التي حصلت وتلك التي في طور الحصول، ليست في وارد التراجع بسبب قرار نزع الجنسية عن الشيخ عيسى، وان الايرانيين لن يعمدوا الى تهديد البحرين عسكرياً او امنياً وسيكتفون بالدعم المادي والمعنوي للبحرينيين الشيعة من اجل استمرار المعارضة وعدم اضمحلالها، وليس لتعزيزها او مدها بالسلاح. كما ان الاتفاق النووي والانفتاح الغربي على ايران، من شأنه، وفق النظرة البحرينية ايضاً، ان يمنع طهران من تنفيذ اي خطة قد تدينها وتنسف كل جهودها التي بذلتها للوصول الى النقطة التي وصلت اليها وحازت فيها على ثقة العالم اجمع.

لعبت البحرين اوراقها ووضعت رهاناتها، ويبقى ان نعرف ما اذا كانت هذه الرهانات صائبة ام خائبة، وما يمكن ان تشهده المنطقة في المستقبل القريب.