أجرى طلاب جامعيون، بمبادرة منهم، إستطلاعاً للرأي، حول نظرة الناس الى الفساد الذي بات سمة رئيسية من سمات هذه الحقبة في لبنان. توزع العشرات من الشبان والشابات على ثلاث مدن بينها العاصمة، وتوصلوا الى نتيجة مذهلة ولكنها حقيقية. 85 من الناس (مختلف الأعمار، رجالاً ونساء) ردّوا بـ»نعم» على أنّ المشاريع التي يتم تنفيذها في القطاع العام هي خاضعة للسمسرات و»الكومبينات» (بعضهم أضاف الكلمة الأخيرة من دون أن تكون واردة في السؤال). 11 في المئة «لا جواب»، 4 في المئة «لا أعرف».

الطلاب الذين زار وفد منهم مكاتب «الشرق» عارضاً علينا هذه النتيجة قالوا لنا إنهم اجروا استطلاع الرأي هذا بمبادرة ذاتية منهم بعدما استمعوا الى كلام كثير يدلي به زعماء وقادة ووزراء ونواب عن الفساد. وقالوا انهم سيتابعون الموضوع... وطلبوا رأياً في المسار الذي يمكن أن يتبعوه (...) وهذا شأن آخر!

تحدّثنا قبل أيام في هذه الزاوية عن الفساد الضارب أطنابه في طول البلد وعرضه، إلاّ أننا نواجه تهافتاً وجشعاً غير مسبوقين على سرقة البلاد والعباد... إننا في مواجهة حال من الإستماتة وراء المشاريع غير السليمة، والتي تدر على المحظوظين أرباحاً خرافية لدرجة أن ما نقوله هنا يشاركنا في قوله، بل يسبقنا، وزراء ونواب... عن صفقات غير سليمة، وعن أرباح خيالية، وعن جشع وطمع غير مسبوقين، وعن ألسنة لم تكف عن اللحس، وأفواه لم تشبع من الأكل... الحرام.

إن ما كُشف سابقاً عن صفقة النفايات التي إنطلقت من تزوير أوراق مزعومة في روسيا، الى عقد وهمي، الى أموال بمئات ملايين الدولارات لتنتهي النفايات في البحر حيث ترمى على بعد أميال من الشاطىء اللبناني... وما كشف أخيراً عن الفارق الكبير بين الصفقات المتوازية... ما كشف وما لم يكشف يدعوان الى وقفة في وجه هذه الحكومة التي إما هي آخر من يعلم، وإما هي تعلم والمصيبة أعظم، بالرغم من ادعائها العجز وهي تجرجر في ملف النفايات منذ مطلع العام 2015 حتى اليوم... فتقوده من فضيحة الى فضيحة أكبر، ومن كارثة بيئية الى كارثة بيئية أخطر... وها هي اليوم لا تعرف الى أين ستمضي و(تكراراً لما كتبناه وقاله آخرون مراراً) كأنّ لبنان وحده ينتج نفايات... وكأن النفايات نعمة على أفراد، وتنفيعة لسياسيين، ونقمة على سائر أبناء هذا الشعب اللبناني المنكوب بقيادات ومسؤولين لم يعرف على امتداد تاريخه، منذ الإستقلال حتى اليوم، بتركيبة أسوأ من تركيبتهم، وأوقح من مجموعات يسيل لعابها وراء المال الحرام!

وعلى فوقة: أين أصبح القضاء بالنسبة الى الصفقات وقضايا الفساد التي أحيلت إليه؟!.