بات ظهر رئيس الحكومة السابق والنائب الحالي ورئيس تيار المستقبل والزعيم السني الاقوى في لبنان ​سعد الحريري​ الى الحائط. كل هذه الصفات التي كانت كفيلة بخلق هالة من الرهبة والاحترام حول الحريري، لم تشفع به في الآونة الاخيرة حيث شهدنا وللمرة الاولى، هجوماً عنيفاً شنه عليه بداية وزير العدل المستقيل اللواء اشرف ريفي، فكسر الهيبة والهالة، ليأتي دفاع وزير الدخلية ​نهاد المشنوق​ عن رئيس الحكومة السابق بلوم السعودية (في ظل العهد السابق) على القرارات التي اتخذها ولكنها اظهرته بمظهر العاجز عن رفض القرار السعودي.

ولكن اللافت كانت الحملة غير المسبوقة التي اعلنها النائب ​خالد الضاهر​ و"عرّى" فيها الحريري بشكل مفصّل وكأنه يقوم بجردة حساب وبانتقام لمحاولة "كسره" في عقر داره، كما وصفها الضاهر نفسه في المؤتمر الصحافي الذي عقده منذ ايام.

هذا الاستسهال لاستهداف الحريري وهو في لبنان، وتحديداً خلال جولة قام بها في طرابلس في محاولة لاستعادة مكانته، انما ينمّ عن مدى المأزق السياسي الذي يجد فيه رئيس تيار المستقبل نفسه، اضافة الى المأزقين المالي والشعبي طبعاً.

يوماً بعد يوم، يجد الحريري نفسه محرجاً ومدفوعاً الى الحائط وهو بات في عنق الزجاجة، حتى انه في الانتخابات البلدية وافق على السير بشروط رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي لخلق تحالف ولو انه لم ينجح.

كل هذه المعطيات توصل الى نقطة واحدة وهي ان الحريري لم تعد تنطبق عليه الصفات التي ذكرناها في البداية، ولكنه تواق الى استعادتها بأي وسيلة ممكنة، فما هو الحل؟

اذا صح ما يقال في الاوساط السياسية، فإن الحريري بات اقرب من اي وقت مضى لفتح باب الرئاسة امام رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون، بمفاتحة فرنسية من جهة، وبتفهم اميركي من جهة ثانية، وبعدم ممانعة سعودية، وبتقبل رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ للتطورات والتغييرات التي شهدتها الاحداث في المنطقة.

واذا صحت هذه الاقوال ايضاً، فإن هذا يعني ان الحريري وجد ان هذا هو الحل الوحيد لمشاكله، وعلى الرغم من ان التفاهم مع العماد عون ليس بالسهل، الا انه "اهون الشرّين" ويضمن استراتيجية اعادة الانماء والاعمار لصورة الحريري وهيبته وهالته وشعبيته وتحسين اوضاعه السياسية والمالية.

ووفق ما يحكى ايضاً، فإن المعطيات الجديدة تفيد بأن الحل لن يتأخر كثيراً وقد لا يستغرق اكثر من شهرين، يشهد خلاله لبنان اتفاقاً على سلة متكاملة وليس فقط على انتخاب الرئيس، اما طريقة الحريري لتسهيل فتح الباب امام عون، تكون اما بتأمين النصاب دون انتخابه فرنجية، او بعدم الزام المستقلين في الكتلة انتخاب شخص غير عون، فيتم انتخاب الاخير ولو من دون اجماع نيابي وبأغلبية تقارب الثلثين.

كل استهداف للحريري يعزز هذا السيناريو، ويجعله اكثر قبولاً وواقعية، ويبدو ان الوضع يقترب من ايجاد الحريري انه لم يعد يملك ما يخسره، وان استمراره في المماطلة ليس لمصلحته، فلعبة الوقت تسير عكس رغباته واهدافه، والسير في انتخاب عون اليوم، افضل من انتخابه غداً او حتى انتخاب سواه (اذا تم الاتفاق على شخصية اخرى) لأنّ ما يمكن ان يحصل عليه في مفاوضات اليوم قد لا يتاح له الحصول عليه غداً، وما يمكن ان يطالب به اليوم قد لا يقدر ان يطالب به غداً في ظل انحسار شعبيته وقوته السياسية.

اذا كان الهدف من احراج الحريري هو اخراجه، فإنه قد يكون السبب في دفعه الى الأمام حيث ينتظره باب الفرج المتمثل بتسهيل انتحاب عون رئيساً للجمهورية، فهل هذا ما سنشهده بالفعل ام ان التطورات ستحمل مفاجآت جديدة كفيلة بتغيير هذا السيناريو؟