أعادت تفجيرات القاع الإرهابيّة التذكير بخطر كبير يُواجهه لبنان وشعبه، ويضع إستقراره الأمني على المحكّ، ويتمثّل في العمليّات الإنتحاريّة التي تستهدف المدنيّين بهدف القتل والترويع. فهل نحن فعلاً مُقبلون على موجة جديدة من هذه العمليّات؟

بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ عمليّات التفجير التي تستهدف المدنيّين بشكل خاص، تُقسم إلى فئات عدّة، أبرزها:

أوّلاً: ركن سيارة ملغومة في مكان معيّن، وتفجيرها عن بُعد عبر جهاز تحكم لاسلكي، أو عبر ضبط المُتفجرات على ساعة توقيت تعمل تلقائيًا.

ثانيًا: ترك أيّ حقيبة مُفخّخة أو أيّ عبوة مُموّهة في مكان مُحدّد، مع صاعق وساعة توقيت تضبط التوقيت المرغوب للتفجير.

ثالثًا: تفخيخ سيارة بالمُتفجّرات وقيادتها من قبل إنتحاري نحو هدف مُحدّد، وتفجيرها في أقرب نقطة يُمكنه الوصول إليها.

رابعًا: تحرّك إنتحاري يحمل عبوة ناسفة مخبّأة داخل حقيبة على ظهره، أو موضوعة في حقيبة يد، أو حتى عبر حزام ناسف ملفوف على خاصرته، والتوجّه مُباشرة إلى الهدف.

بالنسبة إلى السيارات المُفخّخة فهي الأصعب على الإطلاق، كونها تتطلّب سيارة مسروقة للحؤول دون تتبع مصدرها من قبل المُحقّقين، وتتطلّب أيضًا مرآبًا أو مكانًا معزولاً للقيام بعمليّة التفخيخ من دون إثارة الشكوك، وتتطلّب كذلك الأمر كمّية كبيرة من المُتفجّرات لإحداث الضرر المُستهدف. وهذه الأسباب أسفرت عن تراجع هذا النوع من العمليّات، خاصة أنّه من الصعب جدًا إيجاد كميّات كبيرة من المُتفجرات بشكل دائم، وأماكن للتفخيخ لا تُثير الشبهات، والأصعب يتمثّل في عبور الحواجز والإجراءات الأمنيّة للوصول إلى الوجهة المُستهدفة بالتفجير، حتى لو كان السائق إنتحاريًا، حيث أنّ أبعد ما يُمكنه القيام به هو تفجير العبوة على نقطة التفتيش الأمنيّة. ولا بُدّ من الإشارة أيضًا إلى أنّ السيارات المُفخّخة تتطلّب فريق عمل كبير يُنسّق في ما بينه، بدءاً من سرقة السيارة، مرورًا بتفخيخها، وُصولاً إلى تأمين وُصولها إلى الموقع المُستهدف بعد إستطلاعه ميدانيًا. وبالنسبة إلى ترك الحقائب المُفخّخة فهي مُهمّة صعبة أيضًا، في ظلّ الإجراءات الأمنيّة المُتخذة، وفي ظلّ اليقظة الشعبيّة العامة الناجمة من أجواء التوتّر في لبنان والمنطقة، والتي تُسفر عن الإشتباه بأيّ عبوة أو حقيبة متروكة، والدليل عشرات البلاغات الشهريّة غير الصحيحة في هذا الصدد.

لكنّ الفئة الرابعة من عمليّات التفجير، والتي تتمثّل في تحرّك إنتحاريّين يحملون عبوات ناسفة صغيرة جدًا (بحدود 2 كيلوغرام تقريبًا)، ويتنقّلون عبر درّاجات ناريّة صغيرة أو عبر درّاجات هوائيّة أو حتى سيرًا على الأقدام، هي الأخطر على الإطلاق، ولو أنّ حجم الأضرار التي تُسبّبها هو أقلّ ممّا تُسبّبه باقي عمليّات التفجير. وأسباب ذلك تتمثّل في:

أوّلاً: من السهل تأمين عبوة ناسفة صغيرة، علمًا أنّ المعلومات الأمنيّة كشفت عن إستخدام قنابل يدويّة مع مسامير لصنع عبوات تفجير محلّيًا.

ثانيًا: من السهل تجنّب الإجراءات الأمنيّة، خاصة خارج المُدن، حيث يُمكن السير عبر أيّ حقل أو مسار تُرابي، للوصول إلى المكان المُستهدف ولوّ ضمن دائرة جغرافية محدودة نسبيًا عن مكان الإنطلاق.

ثالثًا: لا يتطلّب تحرّك هذا النوع من الإنتحاريّين، فريق عمل كبير، حيث يكفي أن يقوم الآمر بتأمين العبوة وبإصدار الأمر، ليُنفّذها شخص واحد، من دون الحاجة إلى فريق عمل مُتكامل، علمًا أنّ تفجيرات القاع الفاشلة نسبيًا أظهرت عدم خبرة المُنفّذين، وعدم خُضوعهم لتدريبات أمنيّة مُسبقة.

رابعًا: من السهل إنغماس أيّ إرهابي بين الجموع، بسبب وُجود مئات آلاف اللاجئين السوريّين الذين يعيشون في مخيّمات أو في شقق سكنيّة عادية، داخل مختلف البلدات والقرى اللبنانيّة، وعدم القدرة على تفريق الإنتحاري عن سواه، إلا نادرًا!

وبالنسبة إلى ما إذا كُنّا على أبواب موجة تفجيرات جديدة، المعلومات الأمنيّة المتوفّرة مُقلقة، خاصة بالنسبة إلى الفئة الرابعة من عمليّات التفجير، التي لا تستوجب سوى بعض الإنتحاريّين، وبعض عبوات التفجير الصغيرة والمحلّية الصنع، كما سبق وأشرنا. والمُشكلة أنّ الفوضى التي تعاملت بها السُلطة الحاكمة في لبنان مع موضوع اللاجئين السوريّين، والتقليل السياسي من مخاطر عشوائيّة المخيّمات، على الرغم من التجربة اللبنانيّة المُرّة مع المخيّمات الفلسطينيّة في السابق، جعل الأرضيّة جاهزة لهذا النوع من الأعمال الإرهابيّة. كما أنّ غياب أعمال المُراقبة من داخل هذه المخيّمات، والإكتفاء ببعض المُداهمات المُباغتة من وقت لآخر، جعل عمليّات التعبئة وغسل الدماغ تُؤثر على الكثير من الشبّان النازحين الغارقين في بؤوسهم ويأسهم. وليس خافيًا على أحد أنّ مُجنّدي الإنتحاريّين ومُشغّليهم، يلعبون على وتري الجهل والتحريض، لاستمالة بعض اللاجئين الصغيري السنّ، عبر التركيز على خرافات وأساطير بخلفيّات دينيّة، وعلى وعود وأوهام جنسيّة لهؤلاء المُراهقين المكبوتين، وكذلك عبر تحريض عقائدي غير مسبوق، مُستفيدين من المجازر المُستمرّة في سوريا، وكذلك من الإمتعاض اللبناني العام من وجود هؤلاء الغرباء على الأراضي اللبنانيّة، من دون أفق واضح لعودتهم، ومن دون أيّ تنظيم لوجودهم الذي يُفترض أن يكون مُوَقتًا.

في الختام، كل المعلومات الأمنيّة تؤكّد أنّ عمليّات تجنيد إنتحاريّي العبوات الصغيرة مفتوحة على مصراعيها، وأنّ لبنان مُقبل على موجة جديدة من هذا النوع من الإرهاب الدامي الذي لا يتطلّب أكثر من غبي مكبوت جنسيًا بموازاة مُحرّض ديني وعقائدي، وأكثر من قنبلة يدويّة وكمّية من المسامير، لإيقاع الخسائر البشريّة ولإثارة الرعب في النُفوس ولتذكير اللبنانيّين بهشاشة دولتهم وبضعف سلطتهم السياسيّة. تبقى كلمة حق تُقال إنّ القوى الأمنيّة بمختلف أجهزتها والتي تعمل بشكل تلقائي في أغلبيّة الأحيان، أعادت بعد تفجيرات القاع الأخيرة تنشيط الخطط الأمنيّة الوقائيّة بشكل أكثر تشدّدًا من السابق، على أمل أن تستمرّ هذه الإجراءات وأن تتكثّف بغطاء سياسي كامل، لتقليل إحتمالات التفجير المُقبلة إلى أدنى مُستوى مُمكن.