يضحك مقربون من حزب الله كثيرا لدى سؤالهم عما اذا كان تصدّر الوضع الأمني واجهة الاهتمامات اللبنانية مجدّدًا يرفع حظوظ قائد الجيش العماد ​جان قهوجي​ لرئاسة الجمهورية، فيذكّرون بعدد المرات التي ظنّ فيها البعض خلال العامين الماضيين، وعند كل مفترق أمني، أن سيناريو مماثلاً للسيناريو الذي أتى بقائد الجيش السابق ميشال سليمان رئيسا للبلاد قابل للتطبيق في الظروف الراهنة، وخاب ظنهم.

ويعتبر هؤلاء أن حجم العملية الأخيرة والتي استهدفت بلدة ​القاع​ وانخراط 8 انتحاريين لتنفيذها خلال أقل من 24 ساعة، كما العمليات الأخرى المرتقبة في الايام والاسابيع المقبلة، لا يمكن أن تشكّل عنصرًا ضاغطاً كفاية لانتخاب رئيس يُكمل المسار الذي بدأه ميشال سليمان، فما كانت عليه الاوضاع في العام 2008 لا يُشبه بشيء ما هي عليه اليوم، بحسب مصادر مطلعة على مستجدات الملف الرئاسي.

وتكشف هذه المصادر عن تجديد حزب الله في الاسابيع القليلة الماضية عهوده لرئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون وابلاغه صراحة انّه لن يكون هناك رئاسة اذا لم يكن هو الرئيس، لافتة الى أنّه تم عمليا ربط هذا الملف بالعلاقة السعودية-الايرانية الملتهبة ما يهّدد باحراق الملف كاملا ومعه رئاسة البلاد. وتضيف: "يبدو أن حزب الله، قرر وبضوء أخضر ايراني رفع السقف كثيرًا، حتى أن سياسة المجاملة التي اتبعها في السنوات الماضية في التعاطي مع الملف، لا تشير المعطيات إلى أنّه بوارد الاستمرار فيها".

بالمقابل، تستهجن مصادر لبنانية معارضة للحزب "حجم اللامبلاة في التعامل مع الملف الرئاسي، والتعاطي معه كأنّه ملك خاص لحزب الله يقرر مبادلته بملفات أخرى، وينصّب نفسه وكيلا عن لبنان للامساك به كورقة وضعها منذ عامين على طاولة المفاوضات"، معربة عن أسفها الشديد لـ"تأمين عون الغطاء اللازم لانتهاكات الحزب في هذا المجال طمعًا فقط بكرسي الرئاسة، متناسيا أنّه بذلك يهدد الموقع ككل خاصة وأن المنطقة تمر بمرحلة مفصلية ستنتهي على الأرجح بترسيم جديد لحدودها، قد لا يكون للمسيحيين مكان فيها وبالتحديد بعد تهجير مسيحيي العراق وفلسطين وسوريا وبدء التماس مؤشرات مخطط لتهجير مسيحيي لبنان كجزء من المخطط الدولي الكبير الذي أصبح في مراحل متقدمة من عمليّة التنفيذ".

ومن المتوقع أن تخرق الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الفرنسية ​جان مارك ايرولت​ الى بيروت بعد أسبوعين رتابة المشهد الرئاسي، خاصة وأن المسؤول الفرنسي التقى في الايام القليلة الماضية نظيره الايراني محمد جواد ظريف كما ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما يوحي بحراك فرنسي جدّي سيبقى مكبّلا ما لم يجد الارضيّة المناسبة لاستكماله بحركة داخلية أراد رئيس المجلس النيابي نبيه بري ان تنطلق عمليا في الجلسات الـ3 المتتالية التي حددها للحوار مطلع شهر آب المقبل.

وفي هذا السياق، تشير المعلومات الى أنّه وفي حال كان ايرولت يحمل معه طرحا ما وليد تفاهم بلوره الفرنسيون في باريس بين السعوديين والايرانيين بخصوص لبنان، فالأرجح أن يكون يتضمّن رئيسا توافقيا مقربا من كل الفرقاء، مع ارتفاع حظوظ الوزير السابق ​زياد بارود​ بالتوازي مع استمرار حظوظ الوزير السابق ​جان عبيد​ على ما هي عليه منذ فترة، على أن يتم الوقوف عند سلة شروط يضعها العماد ميشال عون في درجه ومحاولة الاستجابة للعدد الأكبر من بنودها.

بالمحصلة، حتى ولو كان حزب الله يجد من السذاجة في مكان اعطاء أولوية للملف الرئاسي وتصويره كأنّه الخلاص من المأزق الأمني الذي يتهددنا، الا أنّه يبدو جليا ان الضغوط الامنيّة غير المسبوقة التي تتعرض لها البلاد، من حيث الأسلوب والحجم، والتي توحي بالدخول بنفق مظلم غير طويل، ستنتهي بانفراج رئاسي كحدّ أقصى مطلع الخريف المقبل، والا سيصبح مشروعا التساؤل عمّا اذا كان هناك قرار اقليمي-دولي كبير بشطب موقع الرئاسة المسيحيّة تمهيدا لاقرار نظام جديد للبلاد لا يشبه بشيء النظام والتقسيمات القائمة حاليا!