قبل سنتين تحدث قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي عن نية الإرهابيين التمدد للوصول إلى منفذ بحري، وكان رئيس الحكومة البريطانية دايفيد كاميرون قد تحدث في نفس تلك الفترة عن ذلك؛ بالإشارة إلى أن "داعش" يريد فتح هذه الثغرة من البادية السورية باتجاه لبنان الشمالي، وبالطبع فإن ذلك لا يمكنه أن يحصل إلا عبرة بلدة القاع في أقصى البقاع الشمالي، مروراً بالهرمل وصولاً إلى عكار.

في تلك الفترة، الكل يتذكر التفجيرات والأعمال الإرهابية التي استهدفت مدينة الهرمل، والتي كانت قد استُبقت بقصف عشوائي من المناطق التي يسيطر عليها أو كان يسيطر عليها الإرهابيون، وبرأي الخبراء العسكريين، فإن استهداف القاع هذه المرة لا يخلو من هذا التوجُّه، ومحاولة إعادة تسليط الضوء عليه، بهدف صرف الأنظار عن الاستعدادات الجارية لمعركة حلب وما يرافقها من تطورات إقليمية في مواجهة الإرهاب، وربما لتطوات ما في مكان ما من لبنان.

بشكل عام لبنانياً، فإن الجيش اللبناني يحاول بكل ما يملك من إمكانيات وقدرات أن يتخذ الإجراءات المشددة التي أدت إلى تقييد حركة الإرهابيين في الجرود، وهنا تُطرح عشرات علامات الاستفهام حول حقيقة الدور السعودي واستهدافه للمؤسسة الوطنية الكبرى، من خلال حرمانه من الهبتين اللتين تبلغان أكثر من 4 مليار دولار، في نفس الوقت الذي بات أكثر من ضروري اعتبار معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" مصدر القوة والحماية، ولم يعد جائزاً بتاتاً تجاهل الهبات المعروضة لتسليح الجيش اللبناني، خصوصاً الهبة الإيرانية، كما أن الحاجة تفرض معالجة مشكلة النازحين، التي تفترض شرطاً وحيداً، وهو التنسيق مع الحكومة السورية لمعالجة هذا الأمر بشكل جذري.

أما أبعد من لبنان، ففي الجنوب السوري كانت محاولة من السعودية و"إسرائيل" لإعادة تفعيل غرفة مورك في العاصمة الأردنية عمّان، تجلت في الزيارة المُبهمة التي قام بها ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي قبيل زيارة واشنطن، حيث منح زيارته الأميركية من عمان صفة "الزيارة التاريخية"، لكن كما أشارت المعلومات فإن التجاوب الأردني لم يكن كاملاً مع الرغبات السعودية، فكانت العملية الانتحارية التي نفّذها إرهابي بواسطة سيارة عسكرية مقدّمة من الأردن على نقطة حرس الحدود، بما في ذلك من رسالة واضحة تهدف إلى جرّ الأردن للعودة إلى الانخراط الواسع في الحرب على سورية، الأمر الذي لم يعد قادراً على احتماله، خصوصاً أن التقارير الاستخاراتية للقيادات السياسية والعسكرية الأردنية تشير إلى تمدد الحركات الإرهابية عبر خلايا نائمة إلى الداخل الأردني.

هذا في الجنوب السوري، أما في الشمال، فيبدو أن رجب طيب أردوغان "فهم جيداً واستوعب جيداً" ما أبلغه به اللوبي اليهودي "ايباك" أثناء زيارته للولايات المتحدة الأميركية، فتخلى عن دور "المرشد الأكبر" الذي يمكنه أن يلعبه في تنظيم "الإخوان"، في نفس الوقت الذي يرى في "داعش" أنها يمكنها أن تكون الانكشارية الجديدة التي تقود حصانه إلى بغداد ودمشق والقاهرة والمغرب..

في لقاء أردوغان مع "ايباك" كان حديث مطوَّل عن أن المنطقة يُفترض أن تقاد عن طريق قطبين يتزعما هذا العالم المترامي والغني بالثروات..

اقتنع صاحب أحلام السلطنة بفكرة "أورشليم" و"الاستانة"، على زعامة المنطقة وشعوبها وخيراتها، خصوصاً بعد أن اكتشف أن أوهامه بالصلاة في المسجد الأموي مجرد سراب، وأن إلقاء خطبة الجمعة من الأزهر الشريف أضغاث أحلام، وأنه أعجز من أن يمضي ليلة من ألف ليلة في بغداد.. في وقت أخذت الأرض تهتز من تحت أقدامه في تركيا، بعد أن جعل كل مَن حملوه إلى السلطة أعداءه، من فتح الله غولن إلى عبدالله غول، إلى دميته أحمد داود أوغلو، كما ذهب بالعداء إلى كل تركي يوجّه ولو كلمة عتب.

ببساطة، ذهب "السلطان التركي" إلى قناعته الحقيقية، ونقل علاقاته السرية بتل أبيب إلى العلن.. ثمة حقيقة عبّر عنها أردوغان، وإن بطريقة غير مباشرة، أن "الأصدقاء الأتراك والإسرائيليون عادوا إلى أزمنتهم الجميلة؛ إلى العلاقات المباشرة السياسية والأمنية والاقتصادية على كل المستويات".

ببساطة، أردوغان الذي يملك معلومات أكيدة وملفات موثقة عن العلاقات الواسعة مع الأعراب في الخليج ومصر والمغرب والسودان.. وحتى مع محمود عباس، قرر الذهاب بكامل وعيه وإرادته نحو الدولة العبرية، لأنه أمام بائع الكاز العربي يجد في العلاقة مع الكيان الصهيوني ربيب واشنطن أشد ربحاً من رقص "العرضة" مع قبائل الصحراء، وعقل الصحراء.