"هذا الكلام لا يعنينا".. قالها الرئيس سعد الحريري في معرض تعليقه على كلمة السيد حسن نصرالله في ذكرى أربعين الشهيد مصطفى بدر الدين، والتي أعلن فيها السيد أن "القتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن بقية سورية، وهو دفاع عن دمشق، وهو دفاع أيضاً عن لبنان، وعن العراق، وعن الأردن"، وبدت معركة حلب وكأنها الواقعة الكبرى التي سيجيّش لها حزب الله المزيد من العدة والعتاد والأفراد، لأن الثابت هو أن أميركا ومعها الثلاثي الإقليمي السعودية وقطر وتركيا، يخوضون هناك معركة كسر عظم نهائية مع الجيش السوري والحلفاء، وأن محاولات التطويق التي تقوم بها الجماعات الإرهابية لمدينة حلب بهدف السيطرة عليها، ليس لجعلها قاعدة انطلاق من الشمال السوري نحو دمشق فحسب، بل بداية تمزيق وتقسيم فعلي لسورية، وسواء كان حزب الله يقاتل في حلب أو أية منطقة محاذية للبنان من جهته الشرقية، فلأن مواجهة الإرهاب لا تصلح على الأرض اللبنانية، والهجوم الاستباقي عليه في سورية هو الذي جعل لبنان آمناً إلى حد مقبول عن ارتدادات الإرهاب، وقد تكون الهجمات الشيطانية التكفيرية، والتفجيرات الانتحارية المتتالية يوم الإثنين الماضي على بلدة القاع، كافية لأن يقتنع الرئيس الحريري ومن معه من صقور "المستقبل"، أن لا حماية للبنان سوى بتطبيق المعادلة المقدسة للجيش والشعب والمقاومة، وأن حزب الله مطلوبٌ منه لبنانياً على المستوى الشعبي أن يكون في سورية لضرب الإرهاب في عقر داره، ومن يشكك بضرورة الأمن الوقائي للبنان بضرورة الوجود في العمق السوري، فلا حاجة له لاستفتاء اللبنانيين، لأن الانتخابات البلدية قد أفرزت الأحجام.

عندما فاز الوزير المستقيل أشرف ريفي ببلدية طرابلس صرّح وقال: "رجلي على الأرض"؛ في تلميح ربما إلى أنه يمسك بالأرض، وتلميح آخر إلى أنه لن يعطي لنصره في طرابلس على الحريري وميقاتي والصفدي أكثر من حجم كرسي بلدي، ولو أنه أعلن أن البعض لم يعد يمثل طرابلس على طاولة الحوار، لكن الرئيس الحريري، الخاسر الأكبر في البلديات على مستوى كل لبنان، يبدو أنه في خطابات الإفطارات الرمضانية يعيش نوعاً من التضخم السياسي، الذي يعكس نوعاً من المكابرة على واقعه السياسي والجماهيري، لأن المناسبات الرمضانية يجب أن تحفل عادة بالمواقف المدروسة والواثقة كي لا يفطر صاحبها بعد إفطارات رمضان على "حبة تمر".

يهاجم الحريري حزبَ الله والسيد نصرالله شخصياً، وهو محاط بجوقة يتقدمها النائب أحمد فتفت؛ الخاسر بلدياً في قريته، ومنسّق "تيار المستقبل" في الشمال النائب السابق مصطفى علوش، الذي هو أول الفاشلين في إدارة وجود "المستقبل" في طرابلس، ورغم الهجومات الكلامية العنيفة، تتعفّف قيادة المقاومة بأدبيات خطابها كما العادة، ويستمر الحوار بين حزب الله و"المستقبل".

هذا الحوار لا يتسرّب عن نقاشاته سوى القليل، ليس لأنه محاط بسرية تامة، بل لأنه حوار بما يمكن النقاش فيه، ولذلك يلجأ "المستقبل" إلى الحرب الإعلامية الممنوع عليه شنّها على الطاولة، لأن شروطه السابقة للحوار مع حزب الله كانت انسحاب الحزب من سورية، وتراجع عنها لاحقاً لأنه انهزم أمام الإرادة الشعبية الداعمة للمقاومة، قبل أن ينهزم لحزب الله ويرتضي الحوار دون شروط، فبدأ الحوار حول انتخاب رئيس للجمهورية، مع معرفة الطرفين بأن انتخاب الرئيس بعيد المنال، نتيجة الصراع السعودي - الإيراني في الإقليم وفي لبنان، والنقطة الثانية هي قانون الانتخاب، وفي هذه الجزئية أيضاً يبقى الوضع "مكانك راوح"، وعلى ما هو عليه.

مطلوب من الرئيس الحريري أن يطلع من "بيت الوسط" إلى "بيت الطاعة"، لا بقوة السلاح ولا بالضغط المعنوي، بل بقراءة الواقع الجماهيري على الأرض، وأنه يتجه نحو الإفلاس السياسي؛ تماماً كما اتجه في السعودية إلى الإفلاس المالي وباع معظم أسهمه للسعوديين في شركة "سعودي أوجيه" المنكوبة، والمكابرة في الشأن المالي ممكنة عبر الاستدانة، لكن لا مجال للاستدانة في السياسة، والجماهير التي ارتحلت عنه لديها حيثياتها للرحيل، ودون عودة، لأنه ليس صاحب مشروع سياسي بمقدار ما هو وريث لم يُحسن إدارة الإرث والحفاظ عليه.

حتى ولو استمر حوار حزب الله - "المستقبل" سنوات، فإن النصر الإقليمي ليس لصالح الحريري، مهما كانت الظروف، ولا أوراق جديدة سيمتلكها، لا إقليمياً ولا لبنانياً ولا سُنّياً، وبات في شارعه الداخلي أحد اللاعبين، لا بل أضعفهم، ولا بد له أن يقتنع بأن المهام الملقاة على عاتق المقاومة أكبر من لبنان، وأن الخرائط الأميركية للتمزيق ما زالت وستبقى قائمة، وأن مصير لبنان من مصير سورية، ولا عودة من هناك قبل ضمان أمن سورية ولبنان، وحماية ظهر المقاومة، وعندما يعود الحريري إلى الواقع، سيصبح كلام قائد المقاومة يعنيه ويعنيه جداً، وسيدخل "بيت الطاعة" عن طيب خاطر، لأنه إذا ارتضى الطلاق من المقاومة فهو طالق من الوطن.