كل تحولات الأحداث السورية على أرض الواقع تقود إلى خلاصة واحدة: معركة حصار سوريا بالمناطق العازلة بعد فشل إسقاطها عسكرياً قائمة. والهدف الأساس هو منعها من النهوض مجدداً مهما كانت الصورة التي ستكون عليها في المستقبل، أو مهما كان مصيرها سواء الإستمرار في حرب إستنزاف طويلة مع المجموعات المتطرفة، أو النجاح بالوصول إلى تسوية سياسية غير واضحة المعالم.

ضمن هذا السيناريو، تأتي أزمة اللاجئين في البلدان المجاورة، بالإضافة إلى أزمة تنامي الخطر الإرهابي. الأولى تستخدم ضمن مسارين: جانب إنساني وآخر أمني. أما الثانية فهي مقدمة لإخراج مناطق من تحت مظلة ​الحكومة السورية​، من خلال دعم فصائل غير رسمية لخوض المواجهات مع تنظيم "داعش"، وهنا تبرز كل من "​قوات سوريا الديمقراطية​" و"​جيش سوريا الجديد​".

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة لهذا السيناريو، عبر "النشرة"، إلى أن المطلوب كان في بداية الأحداث، أي في العام 2011، إسقاط الدولة السورية مهما كان الثمن، على غرار ما حصل في دول عربية أخرى ضمن مسار ما سُمي حينها بـ"​الربيع العربي​"، ولهذا تم إفشال كل الدعوات إلى الحوار بين الحكومة والمعارضة، من قبل القوى الإقليمية والدولية التي تدعم الأخيرة، لكن اليوم المشهد السياسي والعسكري يؤكد حصول تحول كبير، خصوصاً بعد أن وجدت دمشق حلفاء أقوياء يقفون إلى جانبها في مختلف المجالات.

وتعتبر هذه المصادر أن المخطط اليوم بات يقوم على قاعدة حصار الدور السوري بهدف عزله عن محيطه، ليس فقط من أجل منعه من لعب أي دور إقليمي في المستقبل، كما كان عليه الوضع قبل هذه الحرب، بل أيضاً من أجل قطع خطوط تواصله مع حلفائه، والوسيلة هي الحرب على الإرهاب وإستغلال أزمة اللاجئين في البلدان المجاورة.

إنطلاقاً من ذلك، تدعو هذه المصادر إلى مراقبة التطورات الميدانية بشكل دقيق، حيث دعمت الولايات المتحدة فصائل "قوات سوريا الديمقراطية" من أجل خلق ما يشبه المنطقة العازلة على الحدود مع تركيا، بالرغم من الإعتراضات التي كانت تبديها حكومة حزب "العدالة والتنمية" في أنقرة على هذه المسألة، في حين أن واشنطن لم تكن تمانع سيطرة الفصائل الأخرى المدعومة من تركيا على الخط الممتد من جرابلس إلى أعزاز، لكن بعد فشلها لم تجد ما يمنع الإستفادة من الأكراد، تحت عنوان محاربة "داعش"، الأمر الذي لا يمكن الوقوف بوجهه من قبل الكثير من الجهات الإقليمية والدولية.

في الإطار نفسه، تأتي المساعي الهادفة إلى السيطرة على المناطق الحدودية مع العراق، من جانب فصائل مدعومة من الولايات المتحدة أيضاً، حيث جاء إعلان "جيش سوريا الجديد"، في اليومين الماضيين، عن معركة كبيرة تهدف إلى السيطرة على مدينة البوكمال في ريف دير الزور، التي تحاذي مدينة القائم في العراق، في وقت تتحضر فيه قوات من عشائر الأنبار نفسها من أجل الإنطلاق نحو المدينة الأخيرة، ضمن مساعي إعادة السيطرة على الحدود السورية العراقية من جديد، مع العلم أن هذا الجيش كان قد سيطر في وقت سابق على معبر التنف، بدعم من قوات بريطانية وأردنية.

بالإضافة إلى ذلك، تلفت هذه المصادر إلى التداعيات التي ترتبت على العمليتين الإرهابيتين اللتين وقعتا في الأيام الأخيرة على الحدود السورية مع الأردن والحدود السورية مع لبنان، حيث إرتبطتا بأوضاع اللاجئين بشكل مباشر، حيث تشير إلى أنه في الحالة الأولى ترجح المعلومات أن تكون مقدمة نحو قيام الحكومة الأردنية بالعمل على بناء حزام أمني على حدودها، بالتعاون مع الفصائل المعارضة المتعاونة معها منذ بداية الحرب، من خلال الإشراف عليها عبر غرفة "الموك" الشهيرة، في حين أنه في الثانية عاد سيناريو نشر قوات دولية على طول الحدود إلى الواجهة من جديد، كما هو الواقع مع الحدود اللبنانية الجنوبية.

ضمن هذا المسار الذي قد يتحول إلى أمر واقع في حال زيادة الضغوط الأمنية، تشير المصادر إلى أنه لن يتبقى من منافذ برية لسوريا إلا عبر ريفي إدلب واللاذقية، لكن في المنطقتين تسيطر جبهة "النصرة" الإرهابية التي قد تقدم على الذهاب نحو إعلان تشكيلها "إمارة" في أي لحظة، وبهذه الطريقة تكون دمشق محاصرة من كل الإتجاهات، باستثناء البحر الذي سيكون ممرها الوحيد نحو العالم الخارجي، مع العلم أن المشروع المتعلق بالحدود اللبنانية تعتريه العديد من العوائق، التي يأتي على رأسها موقف القوى المتحالفة معها، خصوصاً "حزب الله" الذي يعتبر أن مثل هذه الخطوة من الخطوط الحمراء.

ما تقدم، يعيد إلى الأذهان ما طرح عند بداية التدخل الروسي المباشر في الحرب، حيث وضعت بعض الأوساط الدبلوماسية عملية بناء القاعدة العسكرية على الساحل السوري في سياق منع حلف شمال الأطلسي "الناتو" من فرض سيطرتها على البحر المتوسط، لكن بالنسبة إلى المصادر نفسها السؤال عن موقف القوى الداعمة لدمشق هو الأساس في الوقت الراهن، لا سيما بعد التحول القائم في العلاقة بين ​روسيا​ وتركيا، والذي قد يكون له تداعيات ملموسة على الواقع الميداني في المرحلة المقبلة، لا سيما أن أنقرة تعتبر أنها تعرضت إلى "خيانة" من جانب واشنطن، من خلال دعمها الأكراد لتنفيذ مشروعهم في الشمال السوري، والذي قد يكون له تداعيات على الوضع التركي الداخلي.

في المحصلة، ستكون الأيام المقبلة مليئة بالتحولات العسكرية المهمة، التي سيكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل سوريا السياسي، خصوصاً إذا ما نجح مشروع حصارها بالمناطق العازلة في التقدم ليكون أداة لتقسيمها، ومن المؤكد أن هذا الأمر سيترك تداعيات على الوضع في الداخل اللبناني.