من اللافت انّ هجوم ما يسمّى خبراء بيئة وبعض كبار موظفي وزارة البيئة اليوم في موضوع معالجة النفايات مركّز حصراً على تقنية الحرق، وهي طريقة عالمية معتمدة في أعرق الدول وأكثرها صداقة للبيئة.

فمن ينظر الى فضيحة المطامر الأخيرة في لبنان من الكوستا برافا الى برج حمود يُدرك جيداً فداحة الأخطار البيئية التي تتحضّر للبنان، وكيف تمّت الصفقات من دون دراسات أثر بيئي واضحة تكشف الضرر البيئي على المديين المتوسط والطويل، وأهمّها الأثر على الثروة البحرية، فجريمة ردم الكوستا برافا من الناحية البيئية، ومطمر برج حمود بنفايات تتحلّل على مدى أشهر تحتوي على تبعات بيئية خطيرة، والأهمّ من يعتقد أننا سنتمكّن من فرز النفايات في جبل برج حمود وإعادة طمر البحر من بعد الفرز هو واهم. فكلّ الحديث عن الفرز هو تغطية لاستعمال منطقة برج حمود لطمر نفايات لبنان. ونعود بالذاكرة الى فرز نفايات النورماندي، حيث كنا نفرز ما يُباع من النفايات ونترك العوادم.

ويبقى أنّ الموقف من الحرق في لبنان هو موقف استباقي للمعايير كافة، حتى بتنا نشك في أنّ الموقف المُعَدّ سلفاً من هذه التقنية هو لاستمرار مركزية النفايات، للحفاظ على مصالح ضخمة في هذا القطاع، علماً أنّ التجربة الأنجح تبقى في اعتماد لامركزية للنفايات يترك فيها الخيار للبلدية باعتماد الوسائل الأفضل والمقبولة بيئياً، وتحت سقف الشروط الصحية المعتمدة.

وفي بلد نتغنّى فيه بقيمة المياه الجوفية، وبوجود انتهاك مستمرّ للشاطئ والبحر الذي لم يعُد يتحمّل المزيد من التبعات البيئية، يعتبر الطمر من الوسائل غير المقبولة بيئياً، وخاصة أننا نعيد ارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتكبناها على مدى سنوات وأوصلتنا الى حالة مزرية في موضوع معالجة النفايات.

أما الخديعة الأكبر فهي أننا نستطيع الوصول إلى صفر طمر وصفر حرق، أيّ بمعنى آخر صفر عوادم في فترة زمنية قصيرة، وهذه النسبة لم تصلها كلّ الدول الأوروبية التي تعتمد الفرز في عمق سياستها في معالجة النفايات، فهذه النسبة وحتى يومنا هذا تبدو بعيدة المنال، والبحث عن حلول واقعية يحتّم علينا إيجاد طرق علمية واضحة للتخلّص من هذه العوادم، فحتى أنجح تجارب الفرز في لبنان أنتجت عوادم، ومنها مثلاً على سبيل المثال لا الحصر، تجربة صيدا التي تنتج عوادم تحرق في معمل سيكومو في البقاع ليتمّ التخلص منها بأفضل الطرق العلمية.

أما الحادثة الأغرب اليوم، فهي في أن يقف مدير عام وزارة البيئة في موقع المهاجم الأول لتقنية الحرق حتى قبل انتظار الفحوص، ففي جلسة «مشاركة عامة» بتاريخ 14 حزيران للاستماع الى آراء سكان منطقة ضهور الشوير حول المحرقة وحول دراسة الأثر البيئي لمشروع المحرقة، حضر مدير عام وزارة البيئة بصفة شخصية «كما ادّعى»، ولكنه عرّف عن نفسه في بداية الجلسة بأنه «حسن زراقط»، وبعدها اتخذ موقفاً هجومياً بحق المحرقة وكأنّ عبارة «بصفة شخصية» تُسقط عنه صفة مدير عام وزارة البيئة وأنّ دوره أن يكون الحكم الصالح والذي يطبّق القوانين، لا أن يكون طرفاً، والأسوأ انه يطلق أحكام الإعدام حتى قبل الاطلاع على نتائج شركة Apave والتي تقوم بتحليل الهواء بناء على طلب وزارة البيئة نفسها. إنّ موقف مدير عام وزارة البيئة الهجومي على تقنية المحارق يؤكد انّ هناك قطبة مخفية تتمثل في شيطنة هذه التقنية في لبنان، ليصبح أيّ حلّ خارج عن إطار المصالح المعروفة، هو كفر وإلحاد. وكم كنا نتمنى ان يبادر مدير عام وزارة البيئة بصفته الشخصية ايضاً الى التهجّم على العديد من التجاوزات التي أنهكت لبنان بيئياً ووضعتنا في مصاف أسوأ الدول عالمياً على الصعيد البيئي. أين هذا المدير النظيف والشريف من الكوستا برافا؟ ولماذا لم يفترش الأرض لمنع أكبر عملية تعدّ على بيئة لبنان في التاريخ؟

أما أن تأتي الأحكام المسبقة قبل الاطلاع حتى على نتائج الفحوص فهو من الغرائب وما زال هذا المدير يردّد كلمة Dioxins و Furans حتى بعد ما تمّ إثبات انّ الانبعاثات منها هي من ضمن المسموح به أوروبياً.

منذ أن انطلقت فكرة محرقة ضهور الشوير كان الحرص الأول على تطبيق المعايير البيئية العالمية وعلى مطالبة وزارة البيئة بالمعايير البيئية المعتمدة في لبنان لنكون تحت سقفها، ولكن يبدو أنّ الحملة واضحة المعالم حتى قبل الغوص والتحقق من مواصفات المحرقة ومن انبعاثاتها، ويأتي موقف مدير عام وزارة البيئة ليؤكد ما كنا قد صرّحنا به سابقاً عن تخوّفنا من استنسابية القرارات مع غياب معايير واضحة يعتمدها لبنان. فالمحرقة المعتمدة أوروبياً مرفوضة لبنانياً، فيما جرائم البيئة مستمرة وعلى عينك يا تاجر.

مطلبنا اليوم، هو أن نتحرّر من دائرة المصالح الكبرى في إدارة النفايات في لبنان، ومطلبنا أن تحظى كلّ بلدية بحقها المشروع في معالجة نفاياتها، ومطلبنا الأهمّ هو أن نتعلّم من الدول الأوروبية الأكثر خبرة في مجال معالجة النفايات والتي اعتمدت تقنية الحرق للتخلص من عوادمها، أما الأهمّ فهو الحكم على المحرقة انطلاقاً من المعطيات العلمية ونتائج الفحوص الصادرة عن مراجع معتمدة عالمياً.

إنه من الواضح أنّ معالي وزير البيئة منفتح ويريد أن يصل الى أفضل الحلول لأزمة النفايات في لبنان، وأنه من الواضح أيضاً أنه يوجد في الوزارة البعض من الذين يريدون تعقيد الأمور واحتكار كلّ القرارات من خلال دراسات أثر بيئي مفتوح لها باب الاستنساب على مصراعيه.

والكلّ يسأل لماذا لبنان فقير إلى هذا الحدّ في انتشار صناعات تدوير حديثة، هل يعلم اللبناني أنّ السبب الأساسي هو قرارات من وزارة البيئة بمنع استيراد مواد خام للتدوير إلا من خلال إجراءات سخيفة غريبة وعجيبة ومنها شهادة من بلاد المنشأ أنه مسموح تصدير هذا النوع من المواد الصالحة للتدوير؟ وهل إذا كان ممنوع تصديرها يُمكن أن تصدر!؟ وفحوص في بلاد المنشأ، علماً انّ وزارة البيئة لا توجد لديها إمكانية للتأكد من أنّ ما يتمّ فحصه هو ما سيتمّ تصديره الى لبنان. تعقيدات وُضعت من أصحاب عقد نفسية وغير نفسية لربط كلّ التدوير بهم وحصر مصدر المواد القابلة للتدوير بمن يملك احتكارات النفايات وتدويرها في لبنان علماً أنه توجد في لبنان مختبرات يمكنها فحص المواد المستوردة للتأكد من نظافتها وصلاحيتها للتدوير.

نطلب من معالي وزير البيئة ومستشاريه الكرام أن يقوموا بدورهم الأساسي في إعادة النظر بكل ّالاستنسابات التي ترعرعت في هذه الوزارة حتماً قبل عهد الوزير المشنوق، وتأديب المدير العام الذي يعتبر نفسه المرجع الأول والأخير في المواضيع البيئية في الشرق الأوسط والذي يريد أن يتحكّم بهذه الوزارة حسب رأيه، وليس على أساس علمي ومنطقي.

وزير سابق